بقلم: علي قاسم
الشرق اليوم– هل الصين بريئة من انتشار فايروس كورونا؟ ليس سهلا تقديم إجابة على هذا السؤال؛ ورغم ذلك فإن غضب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي وجّه اتهامات إلى حكام بكين ومنظمة الصحة العالمية، مفهوم ومبرر.
لا يحق للصين أن تحجب معلومات عن العالم حول فايروس انطلق من أرضها، سواء كان مصدره مختبراتها العلمية، أو أسواقها الشعبية.
احترام حق الشعوب في اختيار قائمة طعامها، يجب أن يكون مشروطا، ويجب أن لا يوظف توظيفا خاطئا يهدد البشر، وينتهك حقوق الحيوان.
نجاح الصين، تكنولوجيا واقتصاديا، لتحتل خلال فترة زمنية بسيطة المرتبة الثانية كأقوى اقتصاد في العالم، وإثبات قدرتها على منافسة الغرب تكنولوجيا، لا يمنحها شهادة براءة.
لا نتحدث عن تناول الصينيين الخفاش في قائمة طعام تضم الحشرات، والكلاب والأفاعي فقط، بل نتحدث عن تناول بعضا منها حية. ومن يمتلك الجرأة على الدفاع عن هذه الممارسات ليس معنيا بقراءة هذه الكلمات.
يجب أن لا يعمينا موقفنا السياسي من الولايات المتحدة وسياساتها المعادية لشعوبنا، عن أخطاء تقترفها حكومة بكين، التي اختارت منذ البداية حجب معلومات نشأة الفايروس ومصدره.
هناك ثمن تدفعه البشرية، لا يقتصر على عدد الإصابات الذي قارب 5 ملايين، حتى هذه اللحظة، بل أيضا الثمن الاقتصادي والاجتماعي الذي سيؤدي هو الآخر إلى المزيد من المعاناة والوفيات بعد أن تسبب في إفقار الملايين من البشر.
فاتورة الخسائر، التي لا يمكن حصرها الآن، يجب أن يتحمل المسؤولون الصينيون المسؤولية عنها، إن لم يكن بتعويضات مالية، فعلى الأقل بامتلاك الشجاعة والسماح بإجراء تحقيقات دولية مستقلة تكشف الحقيقة، منعا لتكرر مثل تلك المآسي مستقبلا.
إن لم تكن الدول الفقيرة قادرة على انتقاد الصين مباشرة، خاصة وهي تعتمد على مساعدات تتلقاها منها، فإن الأمر يختلف مع أقوى اقتصاد في العالم، ورغم وجود مئة انتقاد يمكن أن يوجه لترامب وسياساته، إلا أن انتقاده لحكومة بكين ومنظمة الصحة العالمية، هو انتقاد عادل وصحيح.
اختارت منظمة الصحة العالمية التزام الصمت، ولم تكن حازمة في توجيه حتى مجرد شكوك إلى الصين، هو موقف أقل ما يمكن أن يوصف به، أنه سلبي وانتهازي أيضا؛ والرئيس الأميركي محق في توجيه اللوم للمنظمة العالمية.
أكثر من مليون ونصف المليون إصابة و90 ألف حالة وفاة، هي الفاتورة الأكثر فداحة بين الفواتير التي قدمتها دول العالم، وكانت من نصيب الولايات المتحدة؛ وتشارك منظمة الصحة العالمية، كما قال الرئيس ترامب، الصين في تحمل المسؤولية عن العدد الكبير من الوفيات التي تسبب فيها الوباء.
تهديدات ترامب بسحب تمويل منظمة الصحة العالمية بشكل دائم إذا لم تلتزم بـإجراء “تحسينات جوهرية كبيرة” في غضون 30 يوما، يجب أن ينظر إليها وفق تلك الحقائق، حسب ما جاء في رسالته إلى مدير عام المنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، وانتقد فيها “أخطاء متكررة” من جانب المنظمة.
سبق لترامب في بداية الأزمة أن قال إن الأخطاء ترتكب، وإن كان لا بد من قبولها بوصفها أخطاء، فلا يمكن الصمت عن إجراء تحقيقات حولها.
اكتفت المنظمة خلال خمسة أشهر تقريبا بنقل معلومات واردة عن حكومة بكين، التي لم تغيّر موقفها ولم تستجب لدعوات بالسماح بإجراء تحقيقات مستقلة.
السكوت عن تصرفات الصين لن يكون مفيدا لأحد، لأن ذلك سيساهم فقط في خلق وحش آخر يعتقد أن من حقه ممارسة البلطجة على دول العالم خاصة الدول الضعيفة.
اكتفى ترامب بتجميد مؤقت للتمويل الأميركي للمنظمة، والذي يقدر بعشرين في المئة من حجم التمويل الإجمالي الموجّه إليها، مهددا بإعادة النظر في عضوية الولايات المتحدة بالمنظمة في نهاية مهلة حددها بثلاثين يوما، إن لم يحدث خلالها تحسن في موقف المنظمة.
وأكد أن “السبيل الوحيد أمام منظمة الصحة العالمية للمضي قدما سيكون في حالة ما إذا استطاعت بالفعل إظهار الاستقلال عن الصين”.
دافعو الضرائب الأميركيون يقدمون للمنظمة ما بين 500 مليون دولار سنويا تقريبا، وهو رقم قال ترامب إنه لن يسمح في الاستمرار بدفعه.
دول العالم ومعها المنظمات الدولية، ملت الهيمنة الأميركية على القرارات الدولية، وتفرد واشنطن في اتخاذها، ولكن ذلك ليس مبررا بحد ذاته للاستجارة بعملاق آخر يمارس علينا دكتاتوريته؛ فالشيطان الذي نعرف، قد يكون أفضل من الشيطان الذي نجهل.
الجريمة التي اقترفتها الولايات المتحدة في العام 1945 عندما قصفت مدينة هيروشيما اليابانية، يجب أن لا تنسينا أن الصين في حقيقة الأمر شيطان سبق أن عرفناه.
أسلاف الصين هم من دمر وأحرق مكتبة بغداد، التي قيل إنها أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمن؛ احتوت عصارة الفكر على مدى ستمئة عام، وجمعت كل العلوم والآداب والفنون.
تلافي أخطاء الماضي وتكرارها لا يتم إلا بموقف دولي موحد وقوي، تكون السلطة الأخيرة فيه لمنظمات دولية، لا تتحكم بقراراتها دول تمارس عليها الابتزاز.
مطالب ترامب وفق هذا المنظور مشروعة تماما، وان أرادت الصين ومعها منظمة الصحة العالمية أن يكونا جزءا من نظام عالمي، عليهما الاستجابة فورا لإجراء تحقيقات مستقلة، تكشف عن الظروف التي أدت إلى ظهور الفايروس، وكيفية انتشاره.
لا مانع من التندر بالأخطاء التي يرتكبها ترامب من حين إلى آخر، ولكن حتما موقفه من الصين ومن منظمة الصحة الدولية ليس واحدا من بينها.