بقلم: د. باهرة الشيخلي
الشرق اليوم- غسل العراقيون أيديهم من أي تغيير يحصل في بلادهم على يد رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، الذي زار هيئة الحشد الشعبي ووصف ميليشياتها بأنها قرة عين العراق، وباء الرهان على قدرة الكاظمي على نزع سلاح الميليشيات بالفشل، فهذه الميليشيات أنزعت الكاظمي ملابسه عند لقائه بقادتها وألبسته ملابسها.
ليس هناك أي مسوغ للمراهنة على الكاظمي بالتغيير، بعد لقائه قادة الميليشيات وتغزله بها، فقد اتضح أنه ليس خارج إطار خدمة إمبراطورية أحزاب الفساد والخراب، التي أوصلت العراق إلى مستويات متدنية لم يصل إليها طوال تاريخه الحديث.
يرى الخبير الإستراتيجي الأميركي، ميشيل بريجينت، أن شيئاً في العراق لن يتغير طالما أن طهران هي التي تختار قادة بغداد بنظام المحاصصة الطائفي. بريجينت، قال في تغريدة على تويتر، إن “دعم الكاظمي المطلوب لوكلاء إيران، هو دليل آخر على نفوذ إيران وسيطرتها على الحكومة العراقية”، طالباً من “الحكومة الأميركية أن تدرك أنه لن يتغير شيء في العراق طالما أن إيران تختار قادة بغداد من خلال نظام المحاصصة الطائفي”.
الكاظمي يحمل اسمه الرقم 37 في قائمة المحرضين على شن الحرب على العراق وغزوه واحتلاله، ضمن الرسالة التي وجهتها مجموعة من العراقيين المقيمين في الخارج والمكتسبين جنسيات الدول التي يقيمون فيها، قبل عام 2003، إلى واشنطن، فهو، إذن، جزء في ماكنة دولة الخراب، التي زرعتها الولايات المتحدة في العراق، بعد غزوها واحتلالها له.
الكاظمي، في لقائه بقيادات الحشد منح أعداء الثورة الشبابية الضوء الأخضر للإجهاز على الحراك الوطني في العراق، ويظن كثيرون أنه سوف يمضي في طريقه لحماية فرسان العملية السياسية وسيكون عوناً لكل سياسيي المنطقة الخضراء وأحزابها، التي فككت دولة العراق وخربتها.
يتعين على العراقيين، وخصوصاً شبابهم الثائر على الفساد والخراب، أن يعلموا أن جميع حاملي الجنسية الأجنبية، الذين حملتهم دبابات المارينز، والذين حكموا العراق، من دون استثناء أحد منهم، والكاظمي من بينهم، لا علاقة لهم بالعراق، لا وطناً ولا شعباً، لا في حاضر البلاد ولا في مستقبلها، فمهمة هؤلاء حمل الجمل بما حمل وليكن من بعدهم الطوفان.
عرف العراقيون، منذ الاحتلال الأميركي الإيراني، الذي عصف بالعراق وألحق الخراب بكل ما فيه، سياسات اتسمت بالفوضى والتخريب، وعرفوا سياسيين جهلاء وكذابين ودجالين، مارسوا في إدارة السلطة من الكذب والدجل ما لا عهد للعراقيين به، منذ تأسيس الحكم الوطني في عشرينات القرن الماضي.
وكان من نتائج هذه السياسات الكارثية على جميع الأصعدة، أن تحول العراق إلى كيان مخرب ينخره الفساد، وقد اعترف أساطين الجهل والفساد بجهلهم وفشلهم في إدارة السلطة، في حوارات مصورة شاهدها وما زال يشاهدها ملايين العراقيين، مع أنهم جميعاً، أيضاً، كانوا يعرفون ذكاء العراقيين وفطنتهم وصعوبة التغرير بهم. لكن مفاجأةً ظهرت، أخيراً، في ما يمكن وصفه بسياسة الاحتيال على الواقع والاحتيال على المواطنين، كما تعبر صحيفة “مدارات الثورة”، الناطقة باسم المتظاهرين والمعتصمين. فحين التقى الكاظمي قيادات الحشد الشعبي، أعلن بكثير من الخفة، عن حرب جديدة، يخوضها العراقيون ضد تنظيم داعش، وأنه سيكون أول المتصدين في الحرب، التي بشر بها العراقيين.
ولو توقفنا عند مقدمات هذه الحرب، حيث بدأت بعمليات صغيرة وملتبسة في عدد غير قليل من المدن والبلدات والقرى، وجميعها ينسبها إعلام السلطة إلى داعش، مع أن المواطنين يتساءلون، أين داعش منها؟ وهي عمليات مشبوهة نفذها، أو بعضها، محسوبون على السلطة وميليشياتها.
وإعلان الكاظمي عن حرب جديدة، وهو إعلان مبني على المقدمات المشار إلى بعضها، يستدعي سؤالاً جوهرياً وهو: هل يتحمل العراق في أوضاعه الراهنة تبعات حرب جديدة؟
وهي حرب يقصد منها خلط الأوراق وإشغال المواطن العراقي عما هو فيه، والتعتيم على انتفاضة التحرير وعلى أهدافها في الاستقلال والبناء والتغيير.
ومن هنا يمكن القول بموضوعية إن ما أعلنه الكاظمي، في لقائه قادة الميليشيات، كان عملية احتيال في سياسة الاحتيال.
بارتدائه سترة “الحشد الشعبي” العراقي أثار مصطفى الكاظمي الكثير من الجدل في العراق، هل هي رسالة دعم للميليشيات رغم أنها متورطة في قتل المتظاهرين؟ أم هي مناورة سياسية للإمساك بالعصا من المنتصف؟
الصورة التي انتشرت بقوة في مواقع التواصل الاجتماعي، للكاظمي وأبوفدك، عبدالعزيز المحمداوي، عُدّت دليلاً على “خضوع الكاظمي” للميليشيات، أو على الأقل، عدّها حارسة كرسيه، وفق المراقبين.
خلاصة القول إن لقاء الكاظمي قادة الميليشيات كان رسالة يمكن أن يستشف منها بدء الحرب، ليس على داعش، كما زعم، وإنما الحرب على الحراك الشعبي، الذي أسقط الكثير من وجوه العملية السياسية، ورفض الكاظمي نفسه، وما ادعاه من حرب على داعش كان صرفاً للنظر عن الهدف الحقيقي، الذي هو القضاء على الحراك الشعبي، الذي بات ينذر بسقوط العملية السياسية، لكن المتوقع أن رداً عارماً سيصدر عن ساحات التظاهر والاعتصام على هذه المناورة الهزيلة.