الرئيسية / الرئيسية / الميليشيات الإيرانية الامتحان الصعب للكاظمي

الميليشيات الإيرانية الامتحان الصعب للكاظمي

بقلم: د. ماجد السامرائي

الشرق اليوم- القبول الإيراني الاضطراري بمصطفى الكاظمي رئيسا لوزراء العراق لا يعني التزكية المطلقة لسياساته في الملفات التي تعني طهران وبالأخص ملف وكلائها في العراق من الميليشيات، فهذا الملف مفتاح مركزي إذا ما أجاد الكاظمي استخدامه للدخول في مرحلة شاقة لتخفيف النفوذ الإيراني الممتد في معظم شرايين النظام في العراق، واستثمار حالة التراجع في وضع نظام طهران في الأيام المقبلة.

فالنظام الإيراني منذ عهد مؤسسه الخميني لديه خبرة في القبول الإفتائي للهزيمة وتجرع “كأس السم”، ومن ثم المراوغة والخداع بالمهادنة الشكلية مع الخصم لخطوات الغدر المقبلة. مثالها قصة غدر العراق في إيواء طائراته الحربية والمدنية خلال حرب عام 1991 ثم الاستيلاء عليها، واليوم يقدم خامنئي ذات الوصفة الإفتائية في التمهيد للرضوخ لواشنطن حين شبّه الاستسلام بصلح الإمام الحسن أمام معاوية، لكن نظام طهران يراهن في بقائه في العراق على الميليشيات المسلحة التي أصبحت مهددة للنظام القائم وتجاوزت مؤسسته العسكرية النظامية.

من جهة ثانية فإن الميليشيات المسلحة هي ضمانة قوة الأحزاب الشيعية الفاقدة للجمهور الشعبي الذي لفظها عبر احتجاجاته المتواصلة وآخرها انتفاضة أكتوبر 2019، ومن دون الميليشيات التي كبرت أحجامها وفعالياتها فإن ضمان كل من طهران وواشنطن لتلك الأحزاب يظل معلقا في الهواء، لأن كلا القطبين النافذين يتعاطى مع قوى لها وجود على الأرض، وهذا هو أحد الأسباب التي حولت تلك الأحزاب إلى دروع حامية لجميع جرائم الميليشيات ضد الشباب العراقي المنتفض، وقد تورط رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي في تقنين تلك الحماية بما يحوله إلى شريك فعال في تلك الجرائم.

لقد انتهت الأغطية المذهبية للأحزاب التي حققت لها مكاسب سياسية منذ الأيام الأولى للعملية السياسية العرجاء الحرباء في العراق، وأصبحت قوة هذه المجموعة أو تلك ترتبط بما تمتلكه من ميليشيات مسلحة على الأرض، وبدرجة صلتها بطهران مصدر الولاء السياسي وليس المذهبي الذي يستخدم كغطاء لولاء العمالة للأجنبي، فشيعة العراق لهم مركزهم الأول في التشيع بالنجف وليست مدينة قم الإيرانية.

وحين شعرت هذه الأحزاب الفاسدة بأن انتفاضة شباب العراق أخذت تحاصرها في وجودها السياسي لجأت إلى الميليشيات المسلحة التي أصبحت لها قوة نفوذ سياسية في البرلمان، ثم خضعت للمهادنة الشكلية التي نصحت بها طهران في قبول الكاظمي كرئيس للوزراء معتقدة بأنه لن يتجرأ على فتح المعركة مع الميليشيات المسلحة. وتحقق على الأرض التحدي الأول لسياسته تجاه قتلة المتظاهرين في مطاردة القوات المسلحة لميليشيا “ثأر الله” المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وهي أكثر العصابات تورطاً في قتل شباب البصرة، وقد عقّب الكاظمي على الحادث في تغريدة له على تويتر “وعدنا بأن المتورطين بدم العراقيين لن يناموا ليلهم. نحن نفي بالوعد، فسلمية الاحتجاج واجب يشترك به الجميع”. ما دفع رئيس ميليشيا العصائب قيس الخزعلي للتعبير عن إحباط هذه الميليشيات في الموافقة على تمرير الكاظمي عبر البرلمان.

هذا الإحباط الميليشياوي لا يعني الخضوع للخطوات المقبلة في برنامج الكاظمي في نزع السلاح عن تلك الميليشيات على طريق تحقيق الحد الأدنى من هيمنة الدولة واستقلالها عن النفوذ الإيراني. فقد بنى قاسم سليماني ومساعده أبومهدي المهندس خلال أكثر من عشر سنوات شبكات مسلحة انتشرت داخل العاصمة العراقية والمدن الرئيسية، مزودة بقدرات تقنية صاروخية قادرة على إلحاق الأضرار بالبشر والممتلكات المحلية وبمصالح الدول المحيطة بالعراق، والكاظمي لديه المعلومات الكاملة حول ذلك وهو يعلم أن التعاطي مع هذا الملف يتطلب مهارة عالية في التصرف.

هذا الضجيج حول قدرات الميليشيات كأذرع إيرانية في العراق يعود إلى غياب مركزية الحكومة وقوتها من خلال رئيسها، ومدى حماسته وقدرته على اتخاذ القرارات وهو القادر على تحويل القوات المسلحة إلى قوة ضاربة بيد الحكومة ضد الميليشيات وفوضى الأمن. فإذا بدأ الكاظمي بخطوات فرض إرادة الحكومة ومؤسساتها العسكرية والأمنية وبقوة القانون، فلن تتمكن تلك الميليشيات من المواجهة المباشرة مع الحكومة، وستحرج الأحزاب، ما سيدفع بتلك الميليشيات إلى اعتماد أساليب المخادعة والالتفاف على هذا المنهج عبر الشعارات الزائفة من نوع “المقاومة الإسلامية” التي يمكن لحسن نصرالله أن يمررها في قضية احتلال إسرائيل لمزارع شبعا في الجنوب اللبناني وليس في العراق.

هذه الأحزاب وميليشياتها نمور من ورق أحاطت نفسها بهالة أسطورية توصلت إلى صنعها عبر هيمنتها على الشارع وترويعها للعراقيين وملاحقتهم بأرزاقهم واختطاف أبنائهم، وبالضغط على العاملين في مؤسسات الحكومة لتنفيذ مصالحها غير القانونية، واستخدامها لأجهزة الدولة العسكرية والأمنية لتنفيذ أهدافها.

الميليشيات تمر اليوم بأسوأ حالاتها لأنها لا تمتلك قرارها وهي أدوات منفذة لما تريده طهران الساعية إلى مهادنة الأميركان، لكن لعبة شد الحبل بين الكاظمي والميليشيات لا تتحمل وقتاً طويلاً بسبب ضغط الشارع العراقي وانتفاضته التي يسعى الكاظمي إلى تهدئتها في ملف محاسبة القتلة المنتسبين إلى تلك الميليشيات.

وقع خطوات الكاظمي يوحي بأنه يمتلك مشروعاً للتضييق على الميليشيات المسلحة من زاوية الدفاع عن المنتفضين الذي يشكل نقطة إيجابية لصالحه وقد تنسحب على سياساته في الميادين الأخرى. فدعم شباب الانتفاضة له سيمنحه قوة دفع لخطوات مقبلة في الملف الأمني. الكاظمي فرصة لا بد أن يستثمرها شباب الانتفاضة، وطالما ثورتهم سلمية فعليهم التعاطي السياسي مع الكاظمي يأخذون منه ويعطونه دعماً بذات القدر، ولا طريق آخر أمامهم إن أرادوا الانتقال من الشعارات النقية الثورية الرائعة إلى العمل السياسي المبرمج، ولكي لا تذهب دماء إخوانهم بلا ثمن. فتغيير النظام القائم ليس نزهة، لأن النظام يعتمد على قوى وأحزاب كرست وجودها بالمال والسلاح، ولديها مؤسسة البرلمان الحامي لها وجحافل من ميليشيات القتل التي لن تتردد في قتل الآلاف والطريق طويلة في خطوات الانتخابات المبكرة.

هناك مشاعر إيجابية حذرة داخل الأوساط الشعبية من خطوات الكاظمي خشية أن لا تكون محاولات تهدئة قد تتراجع بضغوط الأحزاب الماكرة العميلة للخارج ومافياتها المسلحة التي تتربص بخطواته. وبعيداً عما يدور في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد وفّر عمل الكاظمي طيلة سنوات في رئاسة المخابرات أمامه ملفات خطيرة حول ارتباطات قيادات تلك الأحزاب في الخارج وملفات العمالة والتجسس، ووثائق الفساد التي تشكل قوة بيده إذا ما أراد استخدامها.

دعم الكاظمي ليس صكاً مفتوحاً، هو خيار الاضطرار الوطني لعله إذا ما عمق ثقة الجمهور العراقي به قد ينتقل إلى خطوات قد تفتح آفاق إنقاذ العراق.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …