BY: Susie Dennison – Ekur
الشرق اليوم- فيما يتعلق بكل من يحضر جلسات المجلس الأوروبي بانتظام، نشأ جانب إيجابي واحد على الأقل من الخلاف القائم حول “سندات كورونا” بين الدول الأعضاء في الوقت الراهن: لن تضطر هذه الجهات لخوض صراع آخر حول ميزانية الاتحاد الأوروبي لفترة.
تكلمت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن ضرورة استعمال المساهمات الوطنية المرنة في ميزانية الاتحاد الأوروبي لمنح الدول الأعضاء فسحة لجمع الأموال، لكنّ أحداً ما كان ليقترح جدّياً تجديد النقاش الشائك حول النسخة المقبلة من الإطار المالي المتعدد السنوات في ظل احتدام الخلاف حول طاولة المجلس، لكن هذا ما فعلته إسبانيا بكل بساطة!
في وثيقة غير رسمية نشرتها صحيفة “إيل باييس” الإسبانية يوم الاثنين الماضي، حول استراتيجية التعافي الأوروبي، دعت الحكومة الإسبانية إلى إنشاء صندوق هبات جديد للدول الأعضاء بناءً على تداعيات الوباء فيها، يُفترض أن يتم تمويل ذلك الصندوق عبر ديون الاتحاد الأوروبي الدائمة، تحت مظلة الإطار المالي المتعدد السنوات.
لكن عمدت الحكومة الإسبانية أيضاً إلى إعادة طرح السؤال الشائك حول حجم ميزانية الاتحاد الأوروبي المقبلة، ودعمت اقتراح المفوضية الأوروبية الأصلي الذي يدعو إلى توفير 1.114% من الدخل القومي الإجمالي في المرحلة الأولى.
هذه الخطوة الجريئة تشتق مباشرةً من سياسة الرئيس الأمريكي الأسبق، دوايت أيزنهاوير: حين تواجه مشكلة تعجز عن حلّها، اعمل على تضخيمها! لكنّ هذه المقاربة لن تنفع مع إسبانيا في هذه الظروف على الأرجح، إذ كانت الوثيقة الإسبانية غير الرسمية محقة حين ذكرت أن فيروس “كوفيد-19” شكّل صدمة غير مسبوقة للأنظمة الاقتصادية الأوروبية، لكنه رسّخ خطوط المعركة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بما يشبه تلك التي نشأت رداً على الأزمة المالية الأخيرة في عام 2008، فبرز التساؤل التالي: هل يجب أن تتقاسم مختلف الجهات الديون دعماً للتعافي الاقتصادي على المستوى الأوروبي، أم يجب أن تتحمل الحكومات الوطنية الأعباء وحدها؟
تثبت خريطة الاتحاد الأوروبي في حقبة ما بعد فيروس كورونا أن الدول الأعضاء التي تواجه أعمق أزمة صحية وتحتاج إلى أعلى درجات الإقفال التام في أنظمتها الاقتصادية ترتبط بعلاقات وثيقة مع البلدان التي دعت إلى توسيع هامش المرونة في قواعد الإنفاق في الاتحاد الأوروبي لتحسين فرص التعافي بعد الأزمة المالية. اعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في مقابلته مع صحيفة “فاينناشل تايمز” في 14 أبريل، أن القادة لن يتأكدوا من وجود رابط سببي بين الأزمتَين قبل أن تزول المشكلة الراهنة وتهدأ الأجواء مجدداً، ثم تساءل: “خفّضت إسبانيا وإيطاليا ميزانيتهما في قطاعَي التعليم والصحة، لكن من طلب منهما ذلك أصلاً؟”
في مطلق الأحوال، من المستبعد أن تتغير ظروف النقاش حول الإطار المالي المتعدد السنوات بعد الاقتراح الإسباني بزيادة ميزانية الاتحاد الأوروبي والحفاظ على مقاربة متماسكة وسياسة زراعية مشتركة.
هذا الجزء من الاقتراح سيُعتبر على الأرجح أحدث نسخة مكررة من الحجة نفسها بنظر الدول الأعضاء التي دعت إلى تطبيق سياسة التقشف ورفضت سندات اليورو، ثم عادت ورفضت “سندات كورونا” اليوم. لو كانت مظاهر “كوفيد-19” الأسوأ في هولندا أو ألمانيا أو السويد، أو ضربها الوباء قبل بلدان أخرى، كانت خطوط المعركة لتتغير بدرجة معينة.
وكان النقاش ليبدأ بطريقة مختلفة على الأقل لو أن الاقتراح نفسه صدر عن جهة أقل انحيازاً، على غرار النمسا التي رفضت بقوة “سندات كورونا” وتبادل الديون.
لن نعرف النتيجة النهائية منذ الآن، لكن وفق الظروف الراهنة، لن يتوصل اجتماع المجلس هذا الأسبوع إلى نتائج جازمة، وحتى لو بدأ برسم مقاربة واضحة حول الحاجة إلى التضامن بين دول الاتحاد الأوروبي لتحقيق التعافي، فلن يرحّب الكثيرون على الأرجح بتجديد النقاش حول الإطار المالي المتعدد السنوات.
لكن قد يكون الرئيس الألماني المرتقب للاتحاد الأوروبي المستفيد الحقيقي من الوضع، فحمل هذا الاستحقاق اسم “رئاسة كورونا” ويهدف بكل وضوح إلى إنقاذ الاتحاد الأوروبي من الأزمة الراهنة، ويتوقع الجميع أن تجد القيادة الألمانية للمشروع الأوروبي، بين يوليو وديسمبر من هذه السنة، طريقة فاعلة لحل مأزق الإطار المالي المتعدد السنوات، وأن تسمح ببدء إنفاق ميزانية الاتحاد الأوروبي اعتباراً من بداية السنة المقبلة. قد تنجح في الحد الأدنى في تحديد عدد من مؤشرات الفشل التي يجب تجنّبها خلال نقاشات المجلس هذا الأسبوع.