الرئيسية / الرئيسية / فوز رجل الدين المنشق غير المتوقع في الانتخابات يمكن أن يزعزع العلاقات الأمريكية العراقية

فوز رجل الدين المنشق غير المتوقع في الانتخابات يمكن أن يزعزع العلاقات الأمريكية العراقية

بقلم: تامر الغباشي ومصطفى سليم – The Washington Post

الشرق اليوم-  الفوز المفاجئ لقائمة  يدعمها رجل الدين المنشق مقتدى الصدر في الانتخابات العراقية خلال عطلة نهاية الأسبوع سوف يُجبر المسؤولين الأمريكيين على إعادة حساب أفضل السبل لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة في لحظة حساسة على نحو خاص.

فالصدر ناقد شرس للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، ونجاح قائمته غير المتوقع في الانتخابات يستدعي على الفور التساؤل عن استمرار وجود القوات الأمريكية في العراق. لكن المتحدث باسم الصدر قال إنه يؤيد احترام الالتزامات بين العراق والولايات المتحدة فيما يتعلق بتدريب قوات الأمن العراقية وشراء الأسلحة طالما أنها تخدم مصالح العراق ولا تنطوي على “تدخل في سيادة البلاد”.

وقد فازت قائمة الصدر بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية العراقية وفقاً لنتائج جميع المحافظات الـ 18 التي صدرت يوم الاثنين، ما يضعه في موقف مثالي لاختيار رئيس الوزراء المقبل للبلاد، وتحديد مسار كيفية خروج الأمة من الحرب المكلفة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ويأتي صعوده على حساب رئيس الوزراء، حيدر العبادي، المرشح المفضل للولايات المتحدة، الذي حلّ في المركز الثالث.

وكانت أول مرى يلقى فيها رجل الدين الشيعي الاهتمام الدولي هي عندما كان زعيم ميليشيا شاب قاتل القوات الأمريكية بعد غزو العراق عام 2003.

لكن الصدر تحوّل إلى شخص براغماتي بصورة متزايدة على مر السنوات، فشكّل تحالفاً انتخابياً متعدد الطوائف يؤكد على القومية العراقية بدلاً من الولاء لرجال الدين الإيرانيين أو الدعم العسكري والسياسي الأمريكي. كما أنه خرج على المؤسسة الشيعية في العراق من خلال إدانة تورط إيران في الحرب الأهلية السورية ومحاولة توسيع نفوذها في العراق.

وقال دبلوماسي غربي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، مقدماً تقييماً صريحاً بشأن الصدر “انه السياسي الوحيد الذي لديه رؤية واضحة للعراق، وهي العراق أولاً، واستئصال الفساد، وإقامة حكومة تكنوقراط”.

ويفتقد الصدر إلى ثقة الولايات المتحدة وإيران على حد سواء بسبب معارضته النشطة لكلا البلدين. فقد رفض على سبيل المثال جهود إيران لبسط نفوذها من خلال تقديم المساعدة العسكرية ودعم السياسيين الشيعة المتشددين. وسيتعين على إيران الآن، كما الولايات المتحدة، إعادة تقييم كيفية تعزيز مصالحها في العراق، حيث أن استقلال الصدر جعل منه شخصية جذابة لبعض خصوم إيران في العالم العربي.

وقد تصاعدت التوترات في المنطقة -لاسيما بين الولايات المتحدة وإيران- جزئياً بسبب قرار الرئيس ترامب الأسبوع الماضي بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع طهران.

وقد فاجأ الصدر الخصوم والحلفاء على حد سواء بنجاحه القوي في غالبية المحافظات العراقية، حيث استجاب الناخبون لرسالته في محاربة الفساد وإصلاح النظام السياسي المعتمد اعتماداً كبيراً على الرعاة الخارجيين في العراق.

ويقول محللون إنه استفاد أيضاً من قدرته على قيادة قاعدة مخلصة بشدة في انتخابات شهدت نسبة إقبال منخفضة انخفاضاً تاريخياً.

ومع ذلك، لم تحقق قائمة الصدر الانتخابية الأغلبية البرلمانية، ويمكن أن يشكّل ذلك مركب نجاة للعبادي إذا استطاع التوصل إلى اتفاق مع الصدر وغيره من الأحزاب الإصلاحية التي فازت بحفنات من المقاعد. وقالت لجنة الانتخابات العراقية إنه سيتم الإعلان عن كيفية ترجمة فرز الأصوات إلى مقاعد برلمانية في وقت لاحق هذا الأسبوع.

وكان أنصار العبادي وخصومه يرون أن قائمته هي الأوفر حظاً الفوز في الانتخابات وتأمين له ولاية ثانية له كرئيس للوزراء.

ويقول كيرك سويل، صاحب موقع “داخل السياسة العراقية”، إنه على الرغم من أن العبادي شيعي، إلا أن نتائجه كانت ضعيفة في المناطق الشيعية في العراق، لكنه حقق إنجازاً تاريخياً عندما أصبح رئيس الوزراء الوحيد الذي يفوز بالأغلبية في الموصل السنية. وبالتالي يمكنه أن يجادل بأنه السياسي الوحيد صاحب المصداقية الذي يمثّل “تحالفاً وطنياً”، لكنه سيفعل ذلك من موقف أضعف بكثير. وأضاف سويل “ستعتمد إعادة انتخاب العبادي الآن الصدر اعتماداً كلياً”.

ومن الواضح أن العبادي دعم وجود القوات الأمريكية، حيث كان البنتاغون يرى باستمرار أن للقوات الأمريكية دور في منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، فقد أبلغ وزير الدفاع جيم ماتيس الكونغرس الشهر الماضي أنه سيدعم بقاء قوة أمريكية إذا وافقت الحكومة العراقية على وجودها. وفي الجلسة نفسها، قال الجنرال في سلاح البحرية، جوزيف ف. دانفورد جونيور، رئيس هيئة الأركان المشتركة، إن الجيش الأمريكي تعلّم الدرس من مغادرة العراق في وقت أبكر من اللازم في أواخر عام 2011 والسماح باستفحال أمر تنظيم الدولة الإسلامية.

ورفض البنتاغون والقيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على الشرق الأوسط، يوم الاثنين التصريح بكيف يمكن لنتائج الانتخابات العراقية أن تؤثر على وجود القوات الأمريكية. حيث قال المتحدث باسم وزارة الدفاع إريك باهون “إننا نواصل العمل من أجل هزيمة داعش على المدى الطويل، ونستمر في دعم قوات الأمن الوطنية العراقية ومساعدتها لكي تصبح كياناً مستداماً مكتفياً ذاتياً”.

على الرغم من أن قائمة الصدر، المسماة “سائرون”، خالفت التوقعات في الانتخابات التي جرت يوم السبت، إلا أن فوزها كان تتويجاً لتطوّر صريح للغاية. حيث أن الصدر سليل عائلة محترمة من علماء الدين الشيعة، غير أن بعض الشخصيات العامة الشيعية كانت تسخر منه وتصفه بأنه غير متعلم وهمجي.

وقد ورث قاعدة كبيرة من أنصار والده الذي كان أحد معارضي الرئيس السابق صدام حسين، وتعرض للاغتيال لاحقاً بسبب أنشطته. وبعد الغزو الأمريكي للعراق، أعيد تسمية أحد الأحياء الفقيرة مترامية الأطراف في بغداد كانت تسمى مدينة صدام لتصبح مدينة الصدر، تيمنا بالصدر الأب.

وخلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، كان الصدر الابن على رأس قائمة أعداء الولايات المتحدة في العراق، وذلك بعد أن حشد ميليشيا تسمى جيش المهدي لمحاربة القوات الأمريكية والمتمردين السنّة. وبعد الانسحاب الأمريكي في عام 2011، أعاد الصدر تسمية الميليشيا إلى سرايا السلام، وأوكل إلى أفرادها حماية المراقد الشيعية خلال هجوم تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي هذه الأثناء، عمل على تغيير صورته من مثير للقلاقل إلى شخص وسطي. ففي عام 2016، انضم إلى حركة الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد التي طالبت بإجراء إصلاحات سياسية، فدعم المظاهرات بالآلاف من أنصاره، وأقام علاقات مع الأحزاب العلمانية، وفرد عضلاته السياسية من خلال إصدار الأوامر لأنصاره باقتحام المنطقة الخضراء المحصنة بشدة في بغداد، حيث يعيش غالبية السياسيين العراقيين وتقع السفارة الأمريكية، واحتلالها. وعلى الرغم من أن الصدر دعم ظاهرياً دعوات العبادي للإصلاح، إلا أن ذلك الانتهاك أحرج رئيس الوزراء وأجبره على تعديل حكومته.

كما تبنى الصدر الدعوات إلى تكليف وزراء تكنوقراط ليحلوا محل الحكومة المليئة بأشخاص جرى اختيارهم على أساس الطائفة والحزب. وحتى أتباعه الذين شغلوا بعض الوزارات والمقاعد في البرلمان كانوا متورطين منذ مدة طويلة في سوء الإدارة والفساد، ما أدى إلى إهدار ثروة العراق النفطية.

ولمواجهة هذه الوصمة، نفّذ الصدر المناورة الشعبية التي يشتهر بها. حيث أنه قبل الانتخابات، منع أي النواب الـ 34 في كتلته الترشح مرة أخرى، وملأ لائحته الانتخابية بدلاً منهم بقائمة متنوعة من الشيوعيين والعلمانيين والسنة وحفنة من الإسلاميين.

ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد أحمد الميالي “لقد قام بخطوة ذكية من خلال تقديم جميع المرشحين الجدد وخلطهم مع الشيوعيين”. وأضاف “أقنع ذلك الكثيرين من غير أتباعه بأنه الخيار الأفضل”.

وقال سويل: إن الصدر استفاد أيضا من الإحباط المتفشي بشأن السياسات الجامدة في العراق، وقد انعكست خيبة الأمل هذه في نسبة المشاركة في التصويت يوم السبت التي لم تتجاوز 44 في المئة.

وأضاف: “لقد أمضى الصدر السنوات الثلاث الماضية في تغيير صورته ليصبح بطلاً غير إسلامي لمكافحة الفساد والتمثيل الطائفي، وقد كان التحالف مع العلمانيين جزءاً مهماً من ذلك. وقد تبيّن أنه قدرة الصدر على توسيع ائتلافه مع الحفاظ على قاعدته الشعبية كان أمراً مهماً وسط المجموعات الأخرى التي لم تقبل على الانتخاب”.

وقال العبادي في كلمة بثها التلفزيون العراقي، يوم الاثنين: إنه قَبِل نتائج صناديق الاقتراع وأنه مستعد للعمل مع أي ائتلاف لتشكيل حكومة تمثيلية. وبيانه هذا يقلب مسار سنوات من تنازع المرشحين المتنافسين على نتائج الانتخابات.

وشددت حملة العبادي على إدارته للحرب التي استمرت أربع سنوات تقريباً لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من المدن والبلدات العراقية وإعادة بناء الجيش العراقي. كما تعهد بالتمثيل الشامل، ووضع حدٍّ لإراقة الدماء على أساس طائفي المستمرة منذ 15 عاماً.

وقال العضو الحالي في البرلمان الذي ترشح في قائمة العبادي، عمار توما: إن النتيجة السيئة “فاجأتني على المستوى الشخصي”، لكنه لا يزال واثقاً من أن العبادي سيتمكن من الاحتفاظ بمنصبه بعد فوزه في الموصل.

وقال المتحدث باسم الصدر، جعفر الموسوي: إن حركته هي الأقرب من حيث طابعها الشامل للطوائف ومنبرها الإصلاحي إلى قائمة العبادي، وأن الصدر سيرفض تشكيل تحالف مع “أولئك الذين جربهم الشعب العراقي. . وفشلوا”.

ويبدو أن تصريحاته تشير إلى استبعاد التحالف مع أصحاب المركزين الثاني والرابع في السباق الانتخابي. حيث فازت القائمة الانتخابية التي يقودها هادي العامري، الزعيم القوي للميليشيا الشيعية المدعومة من إيران، بثاني أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، وربما يجعلها ذلك على استعداد لتشكيل كتلة معارضة في البرلمان متحالفة مع سياسيين عراقيين راسخين مثل قائمة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي التي حلّت رابعاً.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …