بقلم: طلال الحريري
الشرق اليوم- أصبحت فكرة الحرب الأمريكية الصينية بالرؤية التقليدية (الحرب العسكرية المباشرة) تتصدر الرؤى التحليلية في الآونة الأخيرة وبالحقيقة فإن كُل ما نسمع به من تحليلات حول حرب عسكرية (أمريكية – صينية) محضُ من الخيال، واللاواقعية التي تنتجها عقول ماتزال عائمة في بركة الحرب الباردة ولا تُدرك الزمن والمتغيرات الاستراتيجية ولا تعي الواقع! هذه العقول تظهر على شكل محللين ينظرون إلى روسيا كإتحاد سوفييتي جديد، وإيران كقوة عالمية، والصين كحاكم جديد للعالم! بهذا المنطق الثمل بالتخريف والمُخمّر بنظريات نهاية أمريكا يتحدثون دون أدنى مسؤولية تجاه التخصص والواقعية واحترام الرأي العام (صناعة الوهم وتجهيل الشعوب)!!!
السؤال: هل هذه الحرب حقيقة؟ وهل ستندلع حقا بهذا الشكل المتوقع؟
الجواب: لا، ولايمكن حدوث هكذا نوع من الحرب (عسكرية مباشرة) بين دولتين نوويتين في ظل نظام دولي غير مستقر وأزمات بدأت تجُر العالم الى اللاعقلانية والتطرف في المواقف وتفضيل حافة الهاوية على مساحة التفاهمات العقلانية.
لماذا؟
أولاً؛ من حيث النتائج الإستراتيجية والجيوسياسية وبمقياس الربح والخسارة لا يمكن ان تحدث حرب بين دولتين نوويتين بغض النظر عن مستوى تطور السلاح النووي كمقياس له أهمية استراتيجية لأن النتيجة ستكون خسارة لكلا الطرفين وبالتالي حرب صفرية ونتائج صفرية بلا انتصار ولا أدنى درجة للربح (حرب أسلحة الدمار الشامل ومبدأ الرد برؤية الضربتين الأولى والثانية وبمقاس الزمن والنتائج).
ثانيا؛ أمريكا تخوض حرب تكتيكية مع الصين وتملُك أدوات أكثر فاعلية وأعمق من حيث التأثير والنتائج (الحصار التكنولوجي، الحصار الإقتصادي، تدويل حقوق الأقليات). لقد حققت أمريكا نتائج ممتازة في هذه الحرب التي فُصلت بطريقة دقيقة لمواجهة الطموحات الصينية المخالفة لكل القيم والضوابط الدولية بالمعايير الاقتصادية والتكنولوجية والإنسانية كافة، ومن هذا المقياس (من حيث النتائج) أمريكا ليست بحاجة إلى حرب عسكرية سواء كانت تقليدية أم على الطريقة التكنومعلوماتية (حرب الجيل الخامس العسكرية الأكثر تقدما).
ثالثاً؛ أمريكا تُدرك تفوقها العسكري في الكم والنوع والتقنية على الصين وليست بحاجة إلى تجربة معروفة النتائج وإن كانت حرب شاملة، كما أن من المهم معرفة نقطة مهمة جدا وهي أن السلاح النووي الصيني يُصنف كسلاح نووي تقليدي بينما الإحتياطي النووي الأكبر في أمريكا وصل إلى مرحلة من التقنية والتطوير لا حدود لها من حيث المساحة والتدمير والسرعة وبالمحصلة لن تجرؤ الصين على حرب بهذا المستوى من الخطر.
رابعاً؛ السلاح النووي بصفته سلاح دمار شامل أصبح سلاحا للردع أكثر من كونه سلاحا للإستخدام وسبب ذلك تم توضيحه في النقطة الأولى (تشابه النتائج وانعدام حالة النصر).
خامساً؛ تعاني الصين من مشاكل قومية وإثنية – عرقية (إنفصالية) كانت وما زالت أقوى الوسائل التي تستخدمها أمريكا لتحجيم دورها ومواقفها (معضلة استقلال تايوان الحليف الأقدم لواشنطن، أزمة الحكم الذاتي في التبتت والرغبة في الإنفصال، أزمة الإيغور كأقلية دينية تُمارس بحقها جرائم ضد الإنسانية). جزء كبير من هذه المشاكل أثرت وما زالت على الصين الشعبية على المستويين الدولي والوطني وبالتالي فإن الدول غير المسيطرة على وحدتها الوطنية تُصنف كدول استبدادية قابلة للتفكك والأنهيار بمجرد أن تتحول القضايا الإثنية إلى ملف دولي خاضع للأطر والقوانين الدولية. هذا هو الواقع بالنسبة لدولة الصين الشعبية التي تُحكم برؤية الشيوعية المتطرفة سياسيا وقوميا وتسيطر على شعبها بالقوة ووسائل الفاشية الأكثر دموية ووحشية.
إذن هذه الحرب المتوقعة بهذا الشكل لا يمكن أن تحدث وفقا للمعايير والأسباب التي ذُكرت كما أن إشعال حرب بهذا المستوى والأسلوب يعني بإختصار(نهاية نصف العالم) لأن مدخلاتها لن تنحصر في حدود الصين وأمريكا في ظل وجود دول مارقة مهددة للوجود العالمي كروسيا وكوريا الشمالية، ودول عظمى لا تقبل بتهديد وجود العالم (الدول الغربية). وبالنهاية الثابت الوحيد في السياسة هو المتغير مع ذلك تستطيع أمريكا أن تحتفظ بالسيادة العالمية بالعقلانية لمدة اطول دون الحاجة للقوة العسكرية المباشرة بإستثناء الحالة الإيرانية التي ستفرض على واشنطن استخدام جزء من القوة في الفترة القادمة من اجل ضمان سلام الشرق الأوسط.