الرئيسية / الرئيسية / مَنْ المستفيد من الفشل الاستراتيجي للسياسة الخارجية الأمريكية وما هي أسبابه ؟

مَنْ المستفيد من الفشل الاستراتيجي للسياسة الخارجية الأمريكية وما هي أسبابه ؟

بقلم: الدكتور جواد الهنداوي

الشرق اليوم- عندما تبدو الآن أعراض الفشل الاستراتيجي على السياسة الخارجية الأمريكية، هذا يعني بأنها (وأقصد السياسة الخارجية) أُصيبت بداء الفشل منذ عقود، أيّ منذ التنظير لها ورسمها من قبل مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكية، السيد كيسنجر. لا أحد ينكر دور السيد كيسنجر في السياسة الخارجية الأمريكية، والتي استهدفت تفتيت الاتحاد السوفيتي، وتثبيت وترسيخ إسرائيل في المنطقة، ولكن تبيّن الآن بأنَّ هذه الإنجازات كانت تكتيكيّة وليست استراتيجية في عوائدها أو فوائدها على أمريكا، لقصرْ عمرها ولعقْمها: حَلّتْ روسيا وبقوة محل الاتحاد السوفيتي، بعد ثلاثة عقود من اندثار الأخير، كما أنَّ فلسطين لم تمتْ كقضية وإسرائيل لم تعشْ بسلام وبأمان في المنطقة كدولة، وبعيدة عن نيّل صفة كيان مُهيمنْ على المنطقة.

ماهي أيضاً أعراض الفشل أو نتائج الفشل؟

استطاعت أمريكا التخلّص من الاتحاد السوفيتي بتفكيكه جغرافياً وعقائدياً (الحزب الشيوعي)، ولكن تفككهِ ساهمَ وسهّلَ في قيام وتطور وانتعاش روسيا عسكرياً وسياسياً، وحررّها من أمراض الاتحاد السوفيتي وهي: الترّهل الجغرافي بتعدد الجمهوريات وبتكلفة اقتصادية عالية، والجمود أو التخلف الاقتصادي، والانغلاق في النظام السياسي والسيادة المطلقة لفكر الحزب والمجتمع وعلى حساب حريات وحقوق الفرد .

روسيا  أصبحت، وبعد تحررها من الاتحاد السوفيتي، أكثر خفّة وسرعة للمضي نحو التطور العسكري الصاروخي والنووي، ونحو دور دولي أكثر جرأة وحضور من دور الاتحاد السوفيتي السابق. أُشبّه حالتها (حالة روسيا) كشجرة تّمَ تقليمها وتنظيفها من أغصانها وأوراقها البالية، وأُطلقَ العنان لها للتمدد في فضاء التطور والمكانة والدور الدولي .

وظّفت أمريكا جهوداً كبيرة فكرية و دبلوماسية 

واقتصادية و أنفقت الكثير من أجل مشاريع سياسية و عسكرية فاشلة: مشروع احتواء ايران، مشروع الشرق الأوسط الكبير، حروبها المباشرة في أفغانستان والعراق وحروبها غير المباشرة من خلال توظيف الإرهاب والعملاء واستهداف أنظمة ودول .

ماهي نتائج هذا الفشل الاستراتيجي؟

أولها وأهّمها هو التسيّد السريع والهادئ للصين كقوة اقتصادية ومالية وعسكرية في العالم. لماذا تسيّد سريع وهادئ؟ أغتنمت الصين فرصة ونشوة الانتصار الأمريكي على المعسكر الشيوعي وتفكك الاتحاد السوفيتي، وأغفلت أمريكا جهود ومثابرة الصين، وظّنت أمريكا بأنَّ مصير الصين الشيوعية سيكون كمصير الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية. (حول هذه النقطة انظر مقال للسيد منير شفيق /بتاريخ ٢٠٢٠/٤/٢٥، في العربي ٢١) . كان مسار الصين للتسيّد هادئاً، تاركة الولايات المتحدة الأمريكية تُسخّر كل طاقتها نحو حروب وتدخلات، دون مشاكسة أو اعتراض غليظ ومُلفت من جانبها (من جانب الصين)، وكأنَّ الصين لم تكْ دول عظمى وعضواً في مجلس الامن .

لم تعدْ أمريكا تحتكر الأولوية في العالم والهيمنة المطلقة عليه، وعوامل أخرى ساهمت في فقدان أمريكا لكثير من هيبتها ومكانتها الدولية على الصعيد السياسي والأخلاقي والإنساني: سلوكية الرئيس ترامب، عنصريته، جشعه للمال، تجردّه من صفات رجل دولة عظمى .

ماهي اسباب الفشل الاستراتيجي للسياسة الخارجية الامريكية ، والذي عَرضنا في ما تقّدم أوجهه ونتائجه ؟

القدرات والإمكانيات العسكرية والاقتصادية والنقدية لأمريكا تُغريها بالمجازفة والمغامرة وتجعلها على ثقة بالانتصار في الحروب. والقول المنسوب إلى كيسنجر ومفاده “أن أمريكا تربح حروبها بفضل الموارد والقدرات التي لا تنضب، وليس بفضل الاستراتيجيات المتقدمة” خير دليل على ترجيح القوة والاستبداد والغطرسة على منطق الحكمة والتفكير والاستراتيجية .

وشهدت أمريكا، وفي عهد الرئيس ترامب، انحسار واضح أو غياب لسياسة خارجية وأسس لعلاقات دولية سليمة .

وجهّت أمريكا استراتيجياتها ووظّفت سياستها الخارجية نحو الشرق الأوسط حيث مصلحة إسرائيل .

وأصبح أمن وهيمنة إسرائيل هي الأولوية المطلقة للسياسة الخارجية الأمريكية ، فانشغلت أمريكا بأثارة الفتن والحروب والاقتتال الطائفي في المنطقة، ووظّفت الإرهاب ودعمته لاسقاط أنظمة معادية لإسرائيل. انشغلت أمريكا أيضاً بمراعاة شركات ولوبيات التسليح، وإيجاد أسواق لتصريف واستهلاك السلاح، وكانت منطقتنا خير ميدان للشراء وللتجارب وللاستخدام .

لم تكْ إيران المستفيد الوحيد من الفشل الاستراتيجي للسياسة الخارجية الأمريكية، المحور الآسيوي بدوله (روسيا والصين والهند وسوريا)، وبحركاته المقاومة والأخرى قطفوا ثمار الفشل الأمريكي .

خشيت وتخشى أمريكا على هيمنتها ومجدها من منافس، تؤهلهُ إحدى القارتيّن: إمّا أوروبا وإمّا آسيا .

كلاهما مصانع الحضارات وأحداها (آسيا) مهدها ونواتها (واقصد الحضارات)، وها هي الصين تنافس أمريكا وإيران تتحداها .

هل تجدُ أمريكا ضالتها في وباء كورونا ونتائجه للحيلولة دون ذلك؟

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …