BY: Uruk Oran Kizi – The Diplomat
الشرق اليوم- مع انتشار فيروس كورونا الجديد وتغيّر معنى الحدود على أنواعها، عمدت الدول القومية إلى إغلاق حدودها بوتيرة صادمة، حتى أن التدابير زادت تشدداً على الحدود التي كانت تبقى مفتوحة في العادة، كتلك الواقعة بين روسيا وآسيا الوسطى، فمع ظهور فيروس “كوفيد-19” في المنطقة فُرِض حظر تام على رحلات السفر ومُنِع “المهاجرون” من الوصول إلى مراكز الصحة العامة المحلية، فأصبحوا في وضع أكثر هشاشة، إذ يشير توصيف “المهاجرين” للأسف إلى صورة نمطية محددة، فيدخل هؤلاء الأفراد عموماً في خانة الأعباء غير المرغوب فيها.
أصبح العاملون المهاجرون من آسيا الوسطى أكثر عرضة لالتقاط الفيروس الجديد في المطارات المكتظة التي تفتقر إلى أدنى معايير النظافة، فيعجزون عن حجر أنفسهم ولا يستفيدون من الخدمات الصحية، وبما أنهم خسروا عملهم ولا يملكون أي مدخرات كبيرة، فلا مفر من أن يسحقهم الركود الاقتصادي المرتقب، فقد أدت الأزمة الراهنة إلى تغيير جزء من المعايير في الجدل القائم حول المهاجرين و”المواطنين من الدرجة الثانية” في روسيا. في آخر عقدَين، استقبلت روسيا المهاجرين بوتيرة غير مسبوقة لسدّ الفجوة المتنامية في أعداد اليد العاملة المحلية، يُعتبر ممر الهجرة الناشئ بين بلدان آسيا الوسطى وروسيا من أكبر الممرات في العالم، فهو يتألف بشكلٍ أساسي من عاملين مهاجرين يتراوح عددهم بين 2.7 و4.2 ملايين شخص. يُعتبر القادمون من آسيا الوسطى تحديداً من أبرز المهاجرين الوافدين، فهم يهربون من الفقر لكسب المال وإعالة عائلاتهم وأقاربهم في بلدانهم الأم، حيث يعمل 3 ملايين مهاجر على الأقل في موسكو وحدها، ويدخل عدد كبير منهم بطريقة غير شرعية، ويعجز بعضهم عن دفع الرسوم الشهرية للحصول على رخصة عمل أو لنيل الوثائق المطلوبة، حتى أن البعض توجّه إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عبر فيديوهات للمطالبة بإلغاء رخص العمل.
تفتقر الدولة الروسية إلى رؤية شاملة وواضحة للتعامل مع العاملين المهاجرين فيها، وتنفّذ السلطات مداهمات متكررة ضدهم، علماً أن هؤلاء العاملين الفقراء والأميّين من آسيا الوسطى يقبلون بوظائف وضيعة ومنخفضة الأجر لا يرغب فيها سكان موسكو، فيكدحون في مواقع البناء ويكنسون الشوارع ويحملون حزماً ثقيلة في أسواق المدينة ومتاجرها.
بعدما تضامن المواطنون الروس في ما بينهم بدافعٍ من لغتهم وإيديولوجيتهم المشتركة، وجد المهاجرون من آسيا الوسطى أنفسهم اليوم على هامش المجتمع الروسي، فتطاردهم الشرطة ويستغلهم أرباب العمل ويمقتهم معظم سكان البلد، وتحوّلت المواقع التي يعيش فيها العمال المهاجرون إلى شقق مكتظة يقيم فيها 20 شخصاً معاً، وهذه الظروف تجعل تدابير التباعد الاجتماعي مستحيلة وتزيد احتمال تناقل الفيروس وسط هذه الجماعات. تتعدد العوامل التي تفسّر المشاعر المعادية للمهاجرين في روسيا، منها سياسات الدولة والمعاهد الرسمية التي تُصوّر روسيا كدولة متعددة الطوائف والانتماءات العرقية، وتداخلها مع نزعات قومية روسية متنوعة أنتجت مستويات مرتفعة من الاضطرابات. صحيح أن الثقافة الروسية تعتبر تاريخياً أن القادمين من آسيا الوسطى يحملون طابعاً مشرقياً، لكن من الواضح أن البلد بدأ يُميّز نفسه الآن عن تلك “الجماعات الأخرى”، وفي هذا السياق، يقول الخبير المرموق أديب خالد إن تقرّب روسيا من الشرق كان نتاج هويتها المعقدة والشائكة، لا سيما عقدة نقصها تجاه أوروبا، فهو يقتبس كلام الكاتب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي فيقول: “في أوروبا كنا عالة على المجتمع وعبيداً، لكننا أسياد المكان في آسيا، وفي أوروبا كنا دخلاء لكن في آسيا نحن أيضاً أوروبيون”.
هكذا أصبحت الجماعات الإثنية والدينية التي تواجه هذا النوع من التهميش الأكثر عرضة لوباء “كوفيد-19” في روسيا وفي أنحاء العالم.