الرئيسية / الرئيسية / مترجم: الشيء الذي يحدد قدرة بلد ما على مقاومة فيروس كورونا

مترجم: الشيء الذي يحدد قدرة بلد ما على مقاومة فيروس كورونا

ترجمة: موقع الشرق اليوم

BY: Francis Fukuyama – The Atlantic

الشرق اليوم- عندما ظهر فيروس كورونا -الذي أصبح جائحةً تنتشر حول العالم اليوم- في الصين في شهر يناير، جادل الكثيرون بأنّ النظام الاستبدادي في الصين يمنع تدفق المعلومات حول خطورة الوضع. حالة لي وينليانغ، الطبيب الذي عوقب لإطلاقه صفارة الإنذار في وقتٍ مبكرٍ وتوفي بعد ذلك بسبب المرض، اعتبر الأمر مثالاً على خلل القمع السلطوي.

يبدو الوضع الآن أقل إشراقاً بالنسبة للحكومات الديمقراطية. إذ تواجه أوروبا عبء مرض أضخم من ذلك الذي واجهته الصين، حيث تتجاوز أعداد الوفيات في إيطاليا وحدها تلك الوفيات المبلغ عنها رسمياً في الصين، رغم أن عدد سكان إيطاليا لا يتجاوز 21 في المئة من عدد سكان الصين. وقد اتّضح أنّ زعماء العديد من الديمقراطيات شعروا بضغوطٍ مماثلةٍ للتقليل من شأن مخاطر الجائحة، سواءً لتجنب الإضرار بالاقتصاد أو لحماية مصالحهم الشخصية. ولا ينطبق ذلك على الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو أو للمكسيكي لوبيز أوبرادور فحسب، ولكن أيضاً على الرئيس دونالد ترامب، الذي ظلّ مصرّاً حتى منتصف شهر مارس أنّ الولايات المتّحدة كانت مسيطرة على المرض وأن الجائحة ستختفي عما قريب. ويفسر هذا سبب خسارة الولايات المتّحدة شهرين من التحضير للتصدي للوباء، ما أدى إلى نقصٍ مستمرٍ في مجموعات الاختبار واللوازم الطبية. وفي غضون ذلك، بدأت الصين تبلغ عن توقّف الحالات الجديدة. وبحسب ما ورد، اندهش الطلاب الصينيون في بريطانيا من النهج المتراخي الذي اتّبعته حكومة بوريس جونسون.

وعندما تنحسر الجائحة، أعتقد أنه سيتعين علينا تجاهل التقسيمات الثنائيّة البسيطة. إنّ الخطّ الفاصل الرئيسيّ في الاستجابة الفعّالة للأزمة لن يضع الأنظمة الاستبدادية في جهةٍ والديمقراطيات في الجهة الأخرى. وبدلا من ذلك، سيكون هناك بعض الأنظمة الاستبدادية التي تقدّم أداء عالياً، بينما يعاني البعض الآخر من نتائج كارثية. وسيكون هناك تباينٌ مماثلٌ -وإن كان من المحتمل أن يكون أصغر- في النتائج بين الأنظمة الديمقراطية. ولن يكون المحدد الأساسي في الأداء هو نوع النظام، ولكن قدرة الدولة، وقبل كل شيء، الثقة في الحكومة.

تحتاج جميع الأنظمة السياسية إلى تفويض السلطة التقديرية إلى السلطات التنفيذية في أوقات الأزمات. ولا يمكن لأي مجموعةٍ من القوانين أو القواعد الموجودة مسبقاً أن تتوقّع جميع الحالات الجديدة والمتغيّرة بنفس السرعة التي ستواجهها البلدان فيها. وقدرات الأشخاص الموجودين على رأس السلطة هي التي تحدد ما إذا كانت النتائج جيدة أم سيئة.

وعند منح صنع هذا التفويض في السلطة إلى الجهات التنفيذية، فإنّ الثقة هي السلعة الوحيدة الأكثر أهمية التي ستحدد مصير المجتمع. إذ يجب أن يؤمن المواطنون أن السلطة التنفيذية تعرف ما تفعله، سواء في الأنظمة الديمقراطيةٍ أو الديكتاتورية. لكن الثّقة هي للأسف ما تفتقده أمريكا اليوم.

ومن المفاهيم الخاطئة الشائعة أنّ الديمقراطيات الليبرالية لديها بالضرورة حكوماتٌ ضعيفةٌ لأنّها يجب أن تحترم الاختيار الشعبي والإجراءات القانونية. وقد طوّرت جميع الحكومات الحديثة سلطة تنفيذية قوية، لأنّه لا يمكن لأي مجتمعٍ أن يعيش بدون هذه السلطة. فهم بحاجةٍ إلى دولةٍ قويةٍ وفعّالةٍ وحديثةٍ يمكنها تركيز السلطة ونشرها عند الضرورة لحماية المجتمع والحفاظ على النظام العام وتقديم الخدمات العامة الأساسيّة.

لكن ما يميز الديموقراطية الليبرالية عن النظام الاستبدادي هو أنّها توازن بين سلطة الدولة ومؤسسات فرض القيود، أي حكم القانون والمساءلة الديمقراطية. وتختلف نقطة التوازن الدقيقة بين مؤسسة السلطة الرئيسية، والسلطة التنفيذية، والمؤسسات المقيّدة الأساسية (المحاكم والسلطة التشريعية) من نظام ديمقراطي إلى آخر، وكذلك تختلف مع مرور الزمن.

وينطبق هذا على الولايات المتّحدة مثلما ينطبق في أي ديمقراطيةٍ ليبراليةٍ أخرى، على الرغم من امتلاكها ثقافةً سياسيةً تولّد انعدام الثقة الشديد في سلطة الدولة المركّزة والقانون المقدس والديمقراطية. فقد كُتب دستور الولايات المتحدة على خلفية ضعف وثائق الكونفدرالية. وأدرك ألكسندر هاميلتون -وهو من المدافعين المتحمسين عمّا أطلق عليه في مقال “الفيدرالي رقم 70” اسم “الطاقة في السلطة التنفيذية”- الحاجة إلى قيودٍ قانونيةٍ وديمقراطيةٍ قويةٍ على السلطة التنفيذية. لكن هاميلتون جادل أيضاً بأنه لن تكون المحكمة ولا الكونغرس قادرين على التصرف بشكلٍ حاسمٍ في أوقات الخطر على الصعيد القومي. حيث ستنشأ هذه المخاطر في أوقات الحرب أو العصيان الداخلي، لكنّها قد تنشأ أيضاً من أسبابٍ جديدةٍ، مثل الجائحة العالمية التي نواجهها الآن. وتختلف أنواع الصلاحية الممنوحة للسلطة التنفيذية حسب الظروف؛ فما كان مناسباً في أوقات السلم ليس هو بالضرورة ما سينجح في أوقات الحرب أو الأزمات.

وهكذا أنشأ الدستور في المادة الثانية، فرعاً تنفيذيّاً ازداد قوةً وسلطةً في القرون التي تلت التأسيس. وقد دفع هذا النمو بحالات الطوارئ التي تطلّبت إجراءً تنفيذياً قوياً، مثل الحرب الأهلية والحربين العالميتين، والأزمات المالية التي حدثت في أعوام 1908 و 1929 و 2008. فخلال الحرب الأهلية، عبّأ أبراهام لينكولن جيشاً يضم مليون رجل، على الرغم من أنّ الاتحاد كان يضمّ أقل من 20 مليون نسمة. وعندما تعثّرت خطوط السكك الحديدية الأمريكية المطلوبة لتزويد الجهد الحربي في أوروبا بشكل ميؤوسٍ منه، قام وودرو ويلسون بتأميمها، وتحويلها إلى شركاتٍ مملوكةٍ للدولة. وكذلك قام فرانكلين دي روزفلت بتنظيم مجهود حربيٍّ أكبر خلال الحرب العالمية الثانية، وتجاوز الكونغرس في التفاوض على الإعارة و التأجير. أما خلال الأزمة المالية عام 2008، فُوِّض إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي سلطاتٍ غير مسبوقةٍ، حيث قام بتحويل مئات المليارات من الدولارات لدعم المؤسسات المالية المهمة للنظام (بما في ذلك العديد من المؤسسات الأجنبية) بإشراف محدود من الكونغرس.

وهكذا تمكّنت الولايات المتّحدة من توليد كمياتٍ هائلةٍ من سلطة الدولة عند الضرورة. وفي أمريكا اللاتينية، منحت الهيئات التشريعية في كثيرٍ من الأحيان سلطات الطوارئ للرؤساء الذين احتفظوا بها وأصبحوا ديكتاتوريين فيما بعد. فنرى اليوم عمليات انتزاعٍ مماثلةٍ للسلطة في المجر والفلبين. وفي المقابل، تميل الولايات المتّحدة إلى إعادة السلطة إلى المجتمع بمجرد انتهاء حالة الطوارئ. حيث تم تسريح الجيوش بسرعةٍ في أعوام 1865 و 1918 و 1945؛ وأعاد ويلسون السكك الحديديّة إلى الملكيّة الخاصّة بعد بضع سنوات. والصلاحيات الممنوحة للسلطة التنفيذية بموجب قانون باتريوت بعد الحادي عشر من سبتمبر سُحبت تدريجياً.

لذا، في حين أنّ أمريكا قد تكون بطيئةً في التصرف في البداية، إلا أنها ما تلبث أن تصل إلى السرعة المطلوبة، بل ومن المحتمل أن تتماثل ف قدراتها مع معظم الحكومات الاستبدادية، بما في ذلك الصين. بل في الواقع، يمكن للمرء أن يجادل بأنه نظراً لأنّ السلطة في الولايات المتّحدة شرعيةٌ ديمقراطياً، فهي أكثر ديمومةً على المدى الطويل من السلطة الديكتاتورية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومة أن تستفيد من الأفكار والمعلومات من المواطنين والمجتمع المدني بطريقةٍ لا تستطيع الصين القيام بها. وعلى الرغم من أن الفدرالية الأمريكية تقسّم السلطة، فإنها تنشئ أيضاً مختبراً مكوناً من 50 ولاية لتوليد الأفكار الجديدة. حيث كان حكّام نيويورك وكاليفورنيا على استعدادٍ للتحرك بشكلٍ أسرع وأكثر حسماً في هذه الجائحة من الحكومة الفيدرالية العاجزة عن التقدم.

فالأنظمة الديمقراطية إذن تفوّض الصلاحيات في حالات الطوارئ إلى سلطتها التنفيذية للتعامل مع التهديدات سريعة الحركة. لكن الاستعداد لتفويض السلطة واستخدامها الفعّال يعتمد على شيءٍ أساسيٍ أهم من كل شيء آخر، ألا وهو الثقة في أنّ السلطة التنفيذية ستستخدم تلك الصلاحيات الممنوحة لها بحكمةٍ وفعاليةٍ، وهنا تواجه الولايات المتحدة مشكلةً كبيرةً الآن.

حيث أن الثقة تُبنى على أساسين: أولهما هو أنه يجب أن يعتقد المواطنون أنّ لدى حكومتهم الخبرة والمعرفة التقنيّة والقدرة والحياد لاتخاذ أفضل القرارات المتاحة. وتتعلق القدرة ببساطةٍ بالحكومة التي لديها عددٌ كافٍ من الأشخاص الذين يتمتعون بالتدريب والمهارات المناسبة للقيام بالمهام الموكلة إليهم، بدءاً من رجال الإطفاء المحليين، ورجال الشرطة، والعاملين الصحيين، وصولاً إلى المسؤولين التنفيذيين الحكوميين الّذين يتّخذون قراراتٍ على أعلى مستوى حول قضايا مثل الحجر الصحي وعمليات الإنقاذ. وكانت الثقة شيئاً يتمتع به بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في أزمة عام 2008: فقد كان رئيسه، بن برنانكي، رجلاً أكاديمياً سابقاً درس الكساد الكبير دراسة عميقة؛ كما أن الاحتياطي الفيدرالي يعمل مع خبراءٍ اقتصاديين محترفين وليس أشخاصاً عيّنهم السياسيون الذين من المرجح أن يفضلوا الأصدقاء والمقرّبين.

أما الأساس الثاني فهو الثّقة في قمة التسلسل الهرمي، ما يعني في النظام الأمريكي: الرئيس. وقد تمتّع لينكولن وويلسون وروزفلت بمستوياتٍ عاليةٍ من الثّقة خلال أزمات عصرهم. فبصفتهم رؤساء في زمن الحرب، نجح هؤلاء الثلاثة في تحويل أنفسهم إلى رموزٍ للنضال الوطني. وهكذا فعل جورج دبليو بوش في البداية بعد أحداث 11 سبتمبر، ولكن مع مرارة غزوه للعراق، بدأ المواطنون يتساءلون عن تفويضات السلطة التي منحوه إياه عبر تشريعٍ مثل قانون باتريوت.

وتواجه الولايات المتحدة اليوم أزمة ثقة سياسية. حيث أن القاعدة الشعبية للرئيس ترامب -أي 35-40 في المئة من السكان الذين سيدعمونه بغض النظر عن أي شيء – غُذّيت بقصص التآمر على مدى السنوات الأربع الماضية حول “الدولة العميقة”، وتعلّمت عدم الثقة بالخبرة التي لا تدعم الرئيس بنشاط.

ويواصل الرئيس ترامب تشويه سمعة الوكالات التي يشعر بأنها معاديةٌ له ويحاول تقويضها: مثل مجتمع المخابرات، ووزارة العدل، ووزارة الخارجية، ومجلس الأمن القومي، وحتى الإدارة الوطنية لعلوم المحيطات والغلاف الجوي. حيث شهدت العديد من الوكالات الإدارية استنزافاً مطّرداً لموظفي الخدمة المدنية المهنية في السنوات الأخيرة، حيث انتقلت مناصبٌ ذات مسؤوليةٍ كبيرةٍ إمّا إلى رؤساء الوكالات والمكاتب بالنيابة، أو إلى أصدقاء الرئيس السياسيين مثل القائم بأعمال مدير الاستخبارات الوطنية ريتشارد جرينيل. ومع قيام شخص حزبي يبلغ من العمر 29 عاماً بعمليات تطهيرٍ للوكالات الفيدرالية، وضعت الإدارة الولاء الشخصي فوق الكفاءة. كما يبدو أنّ ترامب في طريقه إلى تهميش أنطوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، الذي يتمتع بثقة كبيرة، بسبب اختلافه معه علناً.

ويسّلط كل ذلك الضوء على حجم التحدي الذي يواجه الأساس الثاني: الثقة في الرئيس ودائرته المباشرة. إذ لم يسع دونالد ترامب أبداً، خلال ثلاث سنواتٍ ونصف من ولايته، للتواصل مع أكثر من نصف سكان البلاد الّذين لم يصوتوا لصالحه، ولم يتخذ أياً من الخطوات البسيطة التي كان يمكن أن يتخذها لبناء الثقة. وعندما سأله مؤخراً صحفي عما يمكن أن يقوله للأمريكيين الخائفين -وهو سؤالٌ سهل للغاية كان أيّ زعيمٍ آخر سيجيبه على أفضل وجه- اختار بدلاً من ذلك الثوران على السؤال والصحفي.

وبسبب تردّد ترامب في أخذ جائحة كوفيد 19 على محمل الجدّ، أصبح العديد من المحافظين ينكرون أننا في أزمةٍ من الأساس، ويصرّون على أنّ الذعر المحيط بفيروس كورونا هو نتيجة مؤامرةٍ من الحزب الديمقراطي لتقويض رئاسة ترامب. وبعد تصوير ترامب نفسه على أنّه رئيس في “زمن الحرب” بمدة قصيرة أعلن أنّه يريد إعادة فتح البلاد بحلول عيد الفصح. وقد اعترف أنه لم يختر هذا التاريخ على أي أساسٍ لمراقبة الجائحة، ولكن لأنّه سيكون موعداً “جميلاً” لكي تمتلئ الكنائس. وربما كان يفكر في المشهد الوطني الخاص بعيد الشكر الذي يمكن أن يحيط به خلال التجمعات التي يقيمها، وكيف سيؤثّر ذلك على فرص إعادة انتخابه.

وإن انعدام الثّقة الشديد الذي أثاره ترامب وإدارته، وانعدام الثقة في الحكومة التي غرسوها في مؤيديهم، سيكون له عواقب وخيمةٌ على السياسة. فقد أصر الديمقراطيون على تضمين متطلبات الشفافيّة لاستخدام صندوق إنقاذ الشركات المدرجة في مشروع قانون الإغاثة البالغ 2 تريليون دولار والذي تم تمريره يوم الجمعة. لكن إدارة ترامب أكدت عند توقيعها عليه أنّها لن تكون ملزمةً بهذا البند، تماماً مثلما رفضت إشراف الكونغرس أثناء إجراءات عزل الرئيس. وهذا يضمن أنّ أي ممارسةٍ مستقبليةٍ لصلاحيات الطوارئ في مساعدة الشركات المتعثرة أو المناطق المتضررة بشدةٍ سوف تتعرض للانتقاد وتُتهم بالمحسوبيّة من جانب إدارةٍ كانت سعيدةً حتى الآن بمكافأة المقرّبين منها.

وفي النهاية، لا أعتقد أنّنا سنتمكّن من التوصّل إلى استنتاجاتٍ واسعة حول ما إذا كانت الأنظمة الديكتاتورية أو الديمقراطية أكثر قدرة على النجاة من الجائحة. إذ كانت ديمقراطياتٌ مثل كوريا الجنوبية وألمانيا ناجحةً نسبياً حتى الآن في التعامل مع الأزمة، رغم أن أداء الولايات المتحدة كان أقل نجاحاً. لكن ما يهم في نهاية المطاف ليس نوع النظام، ولكن ما إذا كان المواطنون يثقون في قادتهم، وما إذا كان هؤلاء القادة يرأسون دولة كفؤة وفعالة. وفي هذا الصدد لا يترك تعمق النزعة العصبية في أمريكا أسباباً كثيرة للتفاؤل.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …