بقلم: د. مازن العبودي
الشرق اليوم- طالما أثار مزاد بيع العملة الأجنبية ( الدولار ) من خلال نافذته الرسمية الوحيدة في البنك المركزي العراقي جدلا واسعا منذ المباشرة بالمزاد في عام(2004) عندما شرع له الحاكم المدني للعراق ( بول بريمر ) ,,ويعد الخوض في تفاصيل وأنعكاسات مزاد العملة المتشعبة تحديا ذو وجهين أولهما أقتصادي بحت , حيث يؤمن القائمون على المزاد ونفر غير قليل من الباحثين الأقتصاديين بضرورة المزاد وأستمراره كونه يمثل الالية البنكية الوحيدة القادرة على تأمين أستيرادات القطاع الخاص الضرورية للسوق العراقية ولما له من أثر في أستقرار سعر الصرف وضبطه لنسب التضخم وأنعكاساتها المباشرة على القدرة الشرائية للمواطن العراقي وغيرها من الأسباب التي يمكن ان تخلص بالقاريء الى الوصول بالأعتقاد بحتمية بقاء المزاد لضبط أيقاع معيشة الفرد ,وأن أي محاولة لتفنيد أسباب أستمراره أنما هي حرب على المواطن في لقمة عيشه البسيطة !!
أما الوجه الثاني في فتح ملف المزاد فهو يمثل تحديا خطيرا لأنه يصطدم بمن هم معنيين بشراء العملة الأجنبية من مصارف أهلية عراقية ومؤسسات مالية أخرى ومن يقف معهم ممن تمثل أيداعاتهم الضخمة الأيرادات الأساسية التي تتيح لتلك المصارف فرصة الاشتراك في المزاد وشراء الولار وتحويله الى خارج العراق عبر قناة قانونية ..
ولكي نبسط للقاريء فهم ألية بيع العملة الأجنبية في المزاد نقول :
أن البنوك الاهلية العراقية المرخصة بالدخول الى المزاد أنما هي تمثل وسيطا بين المؤسسات والشركات التجارية التي تروم أستيراد مادة معينة من خارج العراق , حيث تقوم تلك المؤسسات التجارية الخاصة ( غير الحكومية ) بتقديم طلب شراء العملة الأجنبية لأغراض الأستيراد مصحوبة بأيداع أقيامها بالدينار العراقي في حساباتها في تلك البنوك الأهلية ,,ليقوم المصرف الأهلي بتقديم تلك الطلبات الى البنك المركزي مع تقديم معلومات عن أرقام حسابات المصرف الأهلي لدى البنك المراسل ( البنك الأجنبي ) الذي ستحول له المبالغ عن طريق البنك المركزي , واخيرا تقديم المعلومات عن الجهة المستفيدة من التحويل ( الشركات الموردة او المصدرة ) ,وهنا لابد الى الأشارة الى مجموعة ملاحظات :
1- لم تنجح أي من المؤسسات المالية الحكومية العراقية في تحديد مصادر مبالغ الدينار العراقي التي يفترض أيداعها في البنوك الأهلية خاصة في حالات المبالغ الكبيرة , وهناك أمثلة كثيرة يمكن الأطلاع عليها , ففي بعض النماذج تم شراء مليارات الدولارات خلال فترات زمنية قصيرة ( أشهر معدودة ) مما يلزم أيداع تريليونات من العملة المحلية ( الدينار ) بالمقابل لنفس الفترة !!!
2- أثبتت التجربة وتقارير اللجنة المالية البرلمانية أن الكثير من المبالغ التي تم تحويلها الى البنوك المراسلة تم تسليمها الى جهات غير تلك الموضح عنها رسميا من قبل البنوك الاهلية كمستفيد نهائي !!بل أن بعضها أي (الجهات المستلمه) كانت مملوكة لذات البنوك الاهلية العراقية وهذا يعني بوضوح الى عمليات تهريب للعملة وليس لأغراض تجارية !! ولايمكن مع هذه الحال الجزم بمصير تلك الأموال ..
3- أن مجموع ما تم تحويله من أموال عن طريق مزاد العملة ربما وصل في بعض الأحيان الى ما نسبته 57% من قيمة واردات تصدير النفط لنفس الفترة ,,مما يشكل استنزافا حقيقا للمورد الوحيد الذي يفترض أن يسخر في خارطة التنمية الوطنية !!
4- أن التلكؤ أو التعمد في عدم الكشف عن حقيقة أقيام وحجم البضائع التي دخلت العراق والتي يجب أن تساوي مجموع المبالغ المحولة يثير علامات أستفهام كبيرة حول الغايات الحقيقة التي تقف وراء ألاصرار على الابقاء على ذات الأليات المتبعة !!
لذلك يمكن القول أن مزاد العملة في العراق يمثل معادلة رياضية مجهولة الطرفين تساهم بشكل واضح في هروب الرصيد الاحتياطي من العملة الصعبة لكنها في الوقت ذاته يمكن أن تكشف لنا حجم ومصادر الفساد أن أستطعنا حل طلاسمها بكثير من الشجاعة والارادة الوطنية المخلصة وقليل من الكفاءة ..