الرئيسية / الرئيسية / مئة عام من الوجود الأمريكي في العراق

مئة عام من الوجود الأمريكي في العراق

بقلم: طلال الحريري

الشرق اليوم- أميركا في العراق منذ عام 1919م! وعنوان بهذا المستوى والعمق الممتد بالتأكيد يحتاج إلى سلسة دراسات وبحوث لأهميته الأستراتيجية ليس فقط في التاريخ بل لأهميته الكبرى وتأثيره في رؤية المستقبل وأهمية الولايات المتحدة الأمريكية كحليف استراتيجي للعراق لابد من استثمار وجوده بشكل سليم لتأسيس أعظم تجارب المستقبل سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

ولأهمية الموضوع حاولت ان اقدم في هذا المقال مختصرا لأهم احداث الشراكة والمواقف لمدة قرن من الزمن كمدخل تاريخي لوضع رؤية إستراتيجية للمرحلة المقبلة التي ستشهد متغيرات كبرى في العراق والشرق الأوسط. في كتابه( القوة والإيمان والخيال) يتحدث مايكل اورين عن وجود اميركي في الشرق الأوسط بدأ منذ عام 1776م! وربما ربط الوجود الأمريكي بهذا التاريخ يجعل الأمر يبدوا خيالا عند بعض الكتاب والمختصين والباحثين لكن تعقب احداث التاريخ وتتبع الآثار والمواقف السياسية منذ ذلك التاريخ يجعلنا نُدرك تماما بأن الوجود الامريكي في الشرق الأوسط يمتد منذ اكثر من قرنين ونصف!.احداث مهمة مثلت تحولات كبرى في تاريخ الشرق الأدنى تزامنت مع بداية الوجود الأمريكي في هذه المنطقة الحيوية التي يمثل فيها العراق اقليما بارزا في التوازنات السياسية والإقتصادية.

فمنذ ترأس جون لامب اول بعثة دبلوماسية في الشرق الأوسط عام 1785م مرورا بأحداث ومواقف مهمة كجولة الرئيس الأمريكي يوليسيس إس جرانت في الشرق الأوسط 1887 ، و تأسيس أدارة شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية عام 1909، ثم الجولة التاريخية للرئيس تيودور روزفلت في الشرق الأوسط1910م، بدأت اميركا تهتم بشؤون المنطقة وتوسع دراساتها السياسية والأستراتيجية وتعزز وجودها ومن هنا اصطك عالم النظريات الأستراتيجية الأمريكي الفريد ماهان مصطلح الشرق الأوسط في عام 1902م. ولكي لا نذهب بعيدا عن العنوان ونتوصل لأهمية هذه العلاقة العميقة نستطيع القول بأن الوجود الأميركي في العراق بدأ مع رؤية الإستقلال وحق تقرير المصير التي طرحها الرئيس الأمريكي ويلسون عام 1918م التي انتهت بمؤتمر باريس للسلام الذي عُقد عام 1919 حيث تعثرت فيه جهود ويلسون في استقلال دول الشرق الأوسط.

ومنذ ذلك التاريخ اصبح العراق يأخذ مساحة كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية وبدأت اميركا بالمساهمة في تأسيس الأقتصاد العراقي لكن وجود الإنتداب البريطاني جعل الأمر اكثر صعوبة في بداية عشرينيات القرن الماضي لكن احداثاً مهمة حصلت ساعدت كثيرا بتثبيت الرؤية الأمريكية خاصةً بعد أن اندلعت انتفاضة عراقية ضد الإنتداب البريطاني فكانت نقطة تحول حيث دعمت اميركا الإنتفاضة التي سميت بثورة العشرين و وظفتها برؤية الرئيس ويلسون في الإستقلال وحق تقرير المصير فنجحت بعد ذلك وساهمت بولادة الدولة العراقية الحديثة عام 1921م ومن هنا بدأت التحولات الكبرى حيث قامت اميركا في عام 1924م بتأسيس شركة النفط العراقية التي اصبحت اكبر شركات البترول في الشرق الأوسط خاصة بعد اتفاقية الخط الأحمر التي حددت مناطق التنقيب للشركة في الشرق الأوسط عام 1928م، وكانت ابرز نتائجها إكتشاف النفط السعودي عام 1932 بجهود شركة النفط العراقية المدعومة امريكيا. وفي ثلاثينيات وحتى منتصف اربعينيات القرن العشرين لعبت اميركا دورا في الاقتصاد العراقي كما عملت على الحد من نفوذ النازية الذي بدأ يتغلغل في العراق في تلك الفترة. وفي مطلع الخمسينيات صاغة اميركا جزء مهم من رؤية حلف بغداد الإستراتيجي عام 1956م الذي يُعد من اهم احلاف الحرب الباردة للحد من التغلغل السوفييتي الشيوعي في المنطقة وبناء الإقتصاد العراقي، كما لعبت اميركا دورا اكبر في هذا الحلف الى حد جعل العراق نقطة إرتكاز في موازين القوى مابعد الحرب العالمية الثانية. ومنذ نهاية خمسينيات القرن العشرين وحتى بداية القرن الواحد والعشرين(عهد انظمة الإنقلابات الإستبداية) شهد الوجود الأمريكي تقهقراً وانحساراً من جهة، وعودة متذبذبة من جهة اخرى وهذا الإضطراب في العلاقة كان بسبب مخالفة الأنظمة الأستبداية لرؤية السلام والديمقراطية التي تعتبر اهم مرتكزات السياسة الخارجية الأمريكية لكن هذه المشاكل لم تمنع الولايات المتحدة الأمريكية من الأهتمام بالعراق وتقدير دوره الأستراتيجي في المنطقة ودعم اقتصاده وتقويته. ومع تصاعد الخلافات والرفض لنظام الفاشية البعثية تدخلت اميركا مرة اخرى في عام 1984م واستأنفت علاقاتها مع العراق لثلاثة اعوام متتالية وساهمت بدعم موارد الاقتصاد للتخفيف من اعباء الحرب التي كانت مشتعلة في تلك الفترة وامتدت الى بداية التسعينيات عندما وجهت اميركا اول حملة عسكرية لردع النظام البعثي السابق بعد ان تحول الى نظام مارق يهدد الأمن والسلم الدوليين وانتهى الصراع بحصار ثم حرب مباشرة اسقطت النظام في عام 2003م ومن هذا التاريخ بدأت اميركا مرحلة جديدة في العراق وحاولت وضع رؤية ليست بعيدة عن تجاربها السابقة التي انتجت دول حليفة و متقدمة كاليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها اميركا في العراق على الصعد السياسية والاقتصادية لكن الفراغ السياسي الذي حصل اجبر واشنطن على تسليم السلطة في العراق الى القوى الإسلامية المعارضة فكانت نكسة كبيرة مكنت الأسلام السياسي من السيطرة وفتحت المجال امام النظام الإيراني للتمدد وتحويل العراق الى غرفة عمليات مختصة بالإرهاب والفساد وتصدير الكراهية والتطرف الأمر الذي جعل واشنطن تغير رؤيتها ما بعد الإنسحاب الجزئي لقواتها عام2011م وتتجه نحو رؤية جديدة تجلت مابعد تأسيس التحالف الدولي عام2015 وما اعقبه من تحرير للأراضي العراقية من تنظيم داعش الإرهابي بتدخل مباشر من القوات الأمريكية والتحالف. التحول الأستراتيجي في الرؤية الأمريكية بدأ منذ عام 2017 فمنذ تولي دونالد ترمب للأدارة الأمريكية اصبحت اميركا تتعامل مع العراق كسلطة مُحتلة سياسيا من قبل النظام الإيراني ودولة تسيطر عليها مليشيات ارهابية ساهمت وماتزال تساهم بزعزعة استقرار المنطقة وتهديد الأمن والسلم الدوليين. هذا التحول الإستراتيجي في الموقف الأمريكي غير موازين القوى في العراق فأصبح الموقف الأمريكي يتحدث بخطاب الرؤية العراقية متجاهلا رؤية السلطة ومواقفها خاصة بعد اندلاع ثورة اكتوبر2019م التي حفزت الولايات المتحدة الأمريكية على الإسراع بتحقيق الرؤية الجديدة وردع الوجود الإيراني فكانت عملية البرق الأزرق متغير استراتيجي وتاريخي جعل الموقف الأمريكي الرسمي بنظر المجتمع العراقي حليف وداعم لرؤية العراق الجديد واستراتيجية التحول والسلام.
وهنا اختم بالسؤال التالي ثم أُجيب:
وجود بهذا العمق الكبير هل يسمح بالإستمرار في الإنتكاسة وترك العراق مجالا حيويا للنظام الإيراني لتصدير الإرهاب وتخريب السلام وموازين القوى في الشرق؟

بالتأكيد الرؤية الأمريكية لن تسمح بإستمرار هذا الوضع ومسألة حصار ايران والحرب الجوية على المليشيات في العراق ليست سوى مدخلا صغيرا للرؤية الأمريكية الجديدة.

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …