بقلم: د. جواد الهنداوي .
الشرق اليوم- لمْ أستخدم مُصطلح “المحاصصة” عندما أكتبُ عن محطات وخطوات مسيرة العملية السياسية الديمقراطية في العراق. لما في استخدامه مِنْ نيّة الإساءة للعملية السياسية وللديمقراطية، ومالهُ من تداعيات سلبيّة على فكر و مفاهيم العمل السياسي والديمقراطي في العراق.
دور الأحزاب في تشكيل الحكومة هي ” مشاركة ” وليست ” محاصصة” ، وهي الآلية ألمتبعة و السليمة في تشكيل الحكومة في جميع الانظمة الديمقراطية ، وبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي ،إنْ كان برلمانياً او رئاسياً . مطالبة الشخصيات او الأحزاب السياسية او غيرهم ، بأستبعاد ” المحاصصة “، أي المشاركة ، كآلية ديمقراطية في تشكيل الحكومة هي مطالبة غير صادقة و غير واقعيّة و تتعارض مع الديمقراطية و مع طبيعة النظام السياسي القائم على وجود و دور الأحزاب .
إنْ كان الشعب قد مَلَّ و سأُمَ الأحزاب و آلية المحاصصة ، ذلك لأنَّ الأحزاب أساءت استخدام مشاركتها في الحكومة فبدلاً ان تكون مشاركتها في الحكومة مشاركة وطنية و بناءّة من اجل الدولة ، من خلال ترشيح الكفوء و النزيهة والحامل لصفة ” رجل دولة ” ، كانت الصفة الغالبة و العامة لمشاركة الأحزاب ، هي مشاركة ، للاسف نفعيّة و ماديّة ، و غلبّ عليها صفة ” المحاصصة ” في توزيع مغانم ومكاسب و منافع ، وليس صفة مشاركة وطنية لبناء الدولة ، فبدلاً من ان تكون الأحزاب في خدمة الدولة ،تركت الأحزاب انطباعاً لدى عامة الناس بانها جاءت لاستخدام الدولة .
لا يمكن ، ونحن في نظام سياسي نيابي ، وأساسه ،حركة ودور الأحزاب ، أنْ نُجرّدها من حقها في ممارسة السلطة. فالحزب ليست منظمة خيرية او منظمة مجتمع مدني ، و من الشروط القانونية لتعريف الحزب هو سعيّه للسلطة وممارستها ،شرط ان يكون هذا المسعى لبناء الدولة و خدمة الشعب وليس للكسب غير المشروع .
لرئيس الوزراء المُكّلف كل الحق في التشاور مع الكتل والأحزاب السياسية من اجل اختيار اعضاء حكومته ، وضمان حق و دور الأحزاب و الكتل في الترشيح او ابداء الرأي لهذا او لذاك المُرشح ،و لرئيس الوزراء المُكّلف كل الحق في سعيّه التعاوني مع الأحزاب والكتل والمكونات من اجل ضمان نيل ثقة الأحزاب ،ثقة مجلس النواب لتشكيلة الحكومة التي يقترحها .
ليس من الديمقراطية أن يقوم رئيس الوزراء المُكلف باختيار وزراء للمكوّن الكردي دون علم و موافقة الأحزاب الكردية، وليس من الديمقراطية ان يقوم رئيس الوزراء المُكلّف بأختيار وزراء عن المكّون السني دون علم و موافقة الأحزاب السُنيّة، و كذلك الحال للمكون الشيعي .
ولكن لرئيس الوزراء المُكلف الحق في الاعتراض ، والحق في التشاور وتبادل الآراء مع جميع الأحزاب والمكونات من اجل الوصول الى تشكيلة وزارية وجوهها رجال دولة ، و سلوكيات رجال دولة ، و أخلاق رجال دولة يليقون بمكانة و تاريخ العراق ، ومشهود لهم بالخبرة وبالكفاءة وبالنزاهة .
ليس لاننا أخطئنا و أسأنا في استخدام الحريات و الديمقراطية ، ندعوا و نُلزِمْ رئيس الوزراء المُكلف بعدم التعاون مع الأحزاب او بتخطيهم في التشكيلة الوزارية ، النيّة من هذه الدعوة هو إفشال مسعى رئيس الوزراء ، هي دعوة للعودة الى الدكتاتورية . صيغة فرض وزراء عن الكرد وهم لا يمثلوهم ،وعن السُنّة وباسمهم ولكن لا يمثلونهم او يمثلون احزابهم ، هي صيغة عقيمة و لا توُصل للهدف المنشود .
ما المطلوب من الوزير بعد استئزاره ؟ المطلوب هو أن يكون وزير العراق وليس وزيراً للحزب ،ان يكون ولاءه للعراق وليس للحزب ،ان يكون عمله للعراق وليس للحزب ،ان يرتبط برئيس الوزراء وليس بالحزب ، وسيكون كذلك مَنْ كان العراق همّه ، ومَنْ كان العمل الوطني الدؤوب ديدنه ، و مَنْ تسوقهُ النُبل و الأخلاق و الأفكار البنّاءة .
نجاح او فشل رئيس الوزراء المُكلف لا يتوقف على جهده فقط ، وانّما على مدى تعاون و تفّهم الأحزاب والشخصيات والمكونات السياسية و مصداقيتها .
و لا يتوقف نجاح او فشل رئيس الوزراء على مخاض مدة الثلاثين يوماً الممنوحة له دستورياً ، و لا على ما قيل و يُقال في وسائل التواصل الاجتماعي ، وانماّ يتوقف على ساعة الاختبار يوم مرورهِ و تشكيلته الحكومية امام مجلس النواب ، لأنَّ نجاحه او فشله هو نجاح او فشل جهد مشترك له وللأحزاب والكتل والمكونات السياسية .
إنْ نجحَ رئيس الوزراء المُكلف في نيل الثقة ،فهو نجاح أيضاً للأحزاب والكتل والمكونات السياسية ، و إنْ
فشلَ رئيس الوزراء المُكلّف في نيل ثقة مجلس النواب لحكومته المقترحة ،لن يُنسبْ الفشل له وحده ، سيكون فشل منسوباً للجميع .
ما كانَ للمُكّلف الأول ،السيد محمد توفيق علاوي ،إنْ يتوقف عن جهوده في اتمام المشوار ، والوصول الى عتبة مجلس النواب ، كان عليه اتمام المضي في المسار و اللقاء مع الأحزاب والكتل تحت قبّة مجلس النواب ،حتى و إن لم يكتمل النصاب ،كي لا يتحمل وحده وزر فشل التكليف .
العمل السياسي ،في ظل نظام ذو مسيرة و آليات ديمقراطية ، هو عمل غير مضمون و محسوب مُقدماً او مُسبقاً النتائج، ليس كالدكتاتورية، هو عمل زادهُ الإرادة الحرّة و المسؤولة والتضحية من اجل هدف التكليف، هو عمل وقوده الأمل و إنْ بقي يوم واحد على اختتام مُدة التكليف .