بقلم: طلال الحريري
الشرق اليوم- الأزمة الإقتصادية المتوقعة هل ستكون ازمة تحول عابرة؟ وما علاقة رؤية 2030 بالمتغيرات الإقتصادية الُمقبلة؟ في البداية عن إي ازمة اقتصادية يتحدث خبراء الإقتصاد؟ وهنا نتحدث عن طبيعة الأزمة في ظل تدفق الرؤى الإقتصادية تحت عناوين متعددة ( كساد، ركود، انكماش،…الخ) وفي الوقت الحالي الذي يشهد العالم زيادة مخاطر وآثار فايروس كورنا(كوفيد19) على الإقتصاد العالمي تزداد معه بشكل متسارع رؤى اقتصادية متعددة تتحدث معضمها عن حالة الإقتصاد العالمي ما بعد الوباء، ونظريات اخرى تضع توقعاتها بمحور واحد لا يتخطى التحذير من ازمة اقتصادية كبيرة سيعاني منها العالم لسنوات!!!
بالحقيقة للإقتصاد الدور الأبرز في صناعة المواقف السياسية والقرارات الحاسمة على مستوى العلاقات الدولية والسياسات العامة للدول، وله الدور الأكبر في مسألة التحول العالمي وولادة النظام العالمي الجديد و من هذا المنطلق حاولت التحري والبحث وإيجاد رؤية واقعية حول ماهية الأزمة وانعكاساتها ومدى صحة معلومات التوقع بالإنهيار كما يتم تسويقه في الإعلام العالمي من خلال مختصين ومهتمين بالإقتصاد والسياسة.
ننطلق بهذه الرؤية(موضوع الدراسة) من سؤال محوري له علاقة بطبيعة الأزمات وأسبابها وآثارها والسؤال كالآتي:
هل الأزمات الإقتصادية جديدة على العالم؟
بالتأكيد ليست جديدة فلقد شهد العالم ازمات اقتصادية متتالية اهمها:
١.الأزمة الإقتصادية 1929 (الكساد العظيم وتحطم سوق الأوراق المالية).
٢.الأزمة الإقتصادية 1973 ازمة اسعار النفط.
٣.الأزمة الإقتصادية 1978الإنهيار الإقتصادي(انهيار سوق الأسهم).
٤.الأزمة الإقتصادية1987 انهيار سوق الأسم بضعف الأرقام التي شهدها انهيار عام 1929!
٥.الأزمة الإقتصادية2000(انهيار سوق الأوراق المالية) لمدة ثلاثة اعوام! فقاعة (com.).
٦.الأزمة الإقتصادية 2008( الكساد العظيم الثاني) ازمة الرهن العقاري.
٧.الأزمة الإقتصادية 2011 وكانت إمتداد لآثار كساد عام 2008 التي اجتاحت اوربا وأمريكا خاصة ومعظم دول العالم وتصاعدت معها ازمات مالية كالأزمة اليونانية والديون الإسبانية وغيرها.
اهم الأزمات الملهمة في هذا السياق هي التي حدثت في عام 1987 كونها مثلت مرتكز التحول نحو العولمة وبداية التجديد بنظرية الليبرالية العالمية وفي هذه النقطة تحديدا نستطيع استيعاب تداعيات الأزمة الإقتصادية القادمة وفهم طبيعة مدخلاتها واستنتاج مخرجاتها. فمنذ ذلك العام(1987) وحتى عام 2008 شهد العالم إستقرارا اقتصاديا كبيرا في ظل العولمة الجديدة بفضل التوسع في استخدام التكنولوجيا وبداية التحول التدريجي نحو العالم الرقمي، ومع تنامي التطور التقني اصبحت إقتصادات العالم تنجذب نحو التكنولوجيا( التحول الثاني بدأ مع فقاعة 2000) كما تنجذب برادة الحديد نحو مركز المغناطيس وهذا ما نُطلق عليه( دخول العالم في التكنولوجيا وليس العكس) أي لم تعد التكنولوجيا عامل يتم توظيفه في مشاريع النمو والإستخدام العالمي وإنما اصبحت هي العالم الذي يجب على العالم الدخول فيه( النظام العالمي التقني). ومنذ عام 2008 بدأت عملية التحول الثاني(المرحلة الثانية) تتسارع عبر التعزيز التقني للموارد والإدارة. ومن هنا تحديدا سيبدأ عهد العولمة الثالث(الجيل الخامس لليبرالية) وهو العهد الرقمي( المنظومة التقنية كنظام عالمي جديد) وهذا ما سيحدث خلال نهاية عام 2020 وحتى عام2022 كأقرب سقف زمني لعملية التحول العظيم والذي سينطلق بعد ذلك بمراحل متسارعة بإتجاه عام 2030 وهو العام الذي سيشهد انطلاق النظام العالمي الجديد عبر منظومة تقنية عالمية ستتحدد من خلالها طبيعة الأنظمة الإقتصادية والإدارية والسياسية والنُظم كافة وتتحول الدولة الى غرفة عمليات متخصصة تُدير كل شيء و على رأس مهامها الإقتصاد والإدارة وبالمعنى الأدق سيادة النخبة التكنوقراطية على المستويين المركزي( العالمي) والإقليمي( المحلي) وهذا ما يجعلنا نشعر بالتغيير القادم ونُدرك انعكاساته على المجتمعات البشرية وكما اوضحنا سيتغير كل شيء بما في ذلك طبيعة ومهام النظم السياسية والإجتماعية وتسود قدرات الفرد المطلقة في هذا العالم التقني كما اشرنا إليه في الرؤية السابقة( النظام العالمي الجديد).
وبالعودة الى الموضوع الأساس( الأزمة الإقتصادية المقبلة) لمناقشة الأسباب والآليات نرى بشكل واضح اختلاف رواد الإقتصاد في طرح آليات التصدي والتعاطي معها وتدور معظم الرؤى حول مجموعة نقاط متضاربة منها ما هو محدد بنظرية كينز من جهة، وتضخيم مخرجات الوباء من جهة اخرى دون النظر الى واقعية التحول في النظم الإقتصادية والإجتماعية( التحول الرقمي)! هذا الإختلاف والتضارب نراهُ واضحا عندما يؤكد قسم كبير على أن السياسة النقدية ليس بإمكانها إصلاح مسالك التوريد المتوقفة من خلال خفض أسعار الفائدة التي توقفت عند مستويات منخفضة للغاية في ظل تراكم الأزمة الصحية، و أن ضخ سيولة من قبل البنوك المركزية سيساعد على تشغيل حركة الحاويات العالمية مرة أخرى كما حدث عام 2008 حيث كان بالإمكان السيطرة على الكساد عن طريق ضخ السيولة من جانب البنوك المركزية!. ومن جانب اخر نرى بأن آراء كثيرة تؤكد على إن المشكلة اليوم تكمن في التوقف المفاجئ للإنتاج، وهذا المتغير لا يمكن للسياسة النقدية اصلاحه، كما أن السياسة النقدية لا تستطيع أيضا إعادة المتسوقين إلى مراكز التسوق أو المسافرين إلى الطائرات، ما دامت اهتماماتهم تنصب على السلامة وليست التكلفة! وهو أيضا ما ينطبق على السياسة المالية! فلن تعيد ائتماناتها الضريبية تشغيل الإنتاج في الوقت الذي تنشغل الشركات بصحة عمالها وخطر انتشار الوباء وتفكر بتسريحهم!، ولن تؤدي تخفيضات الضرائب على الرواتب إلى زيادة الإنفاق الاختياري عندما يشعر المستهلكون بالقلق في ظل بيئة اعلامية وصحية غير مستقرة!.
هذه الآراء والأفكار تجعلنا نعود الى الخلف قليلا من منطلق أن الأزمة القادمة ازمة كساد اقتصادي ومن خلال تفحص الأراء والمواقف نرى بشكل واضح عودة لتبني نظرية كينز التي انقذت الإقتصاد العالمي من الكساد العظيم عام1921 أي نظرية (الإنفاق الحكومي) زيادة الإنفاق الحكومي على مبدأ ( التأثير المتموج) لتحريك بحيرة الإقتصاد التي اصابها الركود عبر الإنفاق الحكومي. هذا الإنفاق له اشكال كثيرة منها الضخ النقدي ومنها عدم توسع فجوة البطالة من خلال تعويض الشركات لتلافي تسريح الموظفين وخلق فرص عمل والتشجيع على الإنفاق وتحريك السوق…الخ وهنا تُحدد المشكلة بالطلب عبر انخفاض (الإستهلاك، الإنفاق) الذي يؤدي الى انخفاض الإنتاج ثم البطالة.. وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات طبقتها الحكومات الرأسمالية بالفعل منذ بداية ازمة الوباء بشكل مختلف وعلى طريقة رؤية (2030) التي تبتعد عن الوسائل التقليدية للحماية مع ذلك هناك قضيتين مهمتين:
الأولى: تؤكد بأن العودة الى نظرية كينز التي حددت المشكلة بالطلب وليس بالعرض تجعل اراء الإقتصاديين متضاربة عندما يقاس الواقع الحالي بنظريتي العرض والطلب من ناحية، وغياب ادراك عدم توقف الإنتاج بالكامل من ناحية اخرى. وهنا نتحدث عن الإنتاج الرأسمالي التقني الذي يعتمد في الإنتاج على الوسائل التقنية وبهذه النتيجة نصل الى حقيقة مهمة وهي أن الإنتاج في الدول الأكثر تطورا( الدول التقنية) مازال قائما وهذا ما يجعل النظرية غير قابلة للتطبيق بكل تفاصيلها إلا على مساحة ضيقة ومدروسة لأن المشكلة ليست مشكلة طلب كما ان الوسائل الإقتصادية تغيرت كثيرا في عصرنا الراهن( عدم ادراك التحول التقني).
الثانية: اغلب الآراء التي تطالب بتدخل حكومي اجرائي( الحماية) تناست قضية مهمة وهي أن كينز حدد هذه الاجراءات بالأزمة فقط وأكد على حرية الإقتصاد( اجراء مشروط بالأزمة ومحدد بوقتها) لأن الليبرالية ورؤية الاسواق الحرة وحدها من تحدد النمو والإنتعاش.
التحليل المنطقي المُدرك للتحول يجعلنا نؤكد على نظرية( الصدمة) أي ان الصدمة التي تسببت في الأزمة تُعالج بصدمة عكسية من منطلق أن الأزمات الإقتصادية في إشكالها كافة تحدث نتيجة تغذية عكسية خاطئة( معلومات غير دقية، تحليل خاطئ، حدث واقع ثم يتم تضخيم اثاره..) كل هذا يُحدث خلل وارباك في الأسواق وينعكس على العرض والطلب الى مستوى المشكلة! والتجارب العالمية خلال القرن الماضي اثبتت بأن التدخل الحكومي لا يمثل سوى حلول ترقيعية كما يقول الإقتصادي الليبرالي هايك، وعلى سبيل المثال لا الحصر( زيادة طبع العملة يؤدي الى التضخم مع مرور الوقت) و(وخفض سعر الفائدة يؤدي الى الإقتراض غير الضروري). وعند النظر الى أزمة الكساد التي حدثت في عام 2008 سنرى بأن المشكلة بدأت مع فقاعة 2000 حيثُ أن الاجراءات التي اتبعت في حينها من قبل الإحتياطي الفيدرالي المتمثلة بخفض سعر الفائدة لتشجيع الإستثمار هي السبب حيث ادت الى زيادة نسبة القروض التي تراكمت حتى وصلت الى ازمة الرهن العقاري بعد ثمانية اعوام.!. وهنا نعود الى الرؤية الأصل( التحول التقني) حيث شهد العالم منذ عام 2008 تحولا غير مسبوق في التكنولوجيا على اثر الأزمة الإقتصادية وهذا تحديدا ما يهمنا في الإستنتاج لأن القضية ليست قضية تحول تقني فقط بل أن رفع مستوى الإقتصاد الى الجيل الخامس( الأنظمة التقنية) يجعل الإقتصاد اكثر استقرارا ويقلل من احتمالية وقوع الأزمات من خلال تغيير الوسائل والآليات التي تنعكس على العرض والطلب وحرية الاسواق ومعدلات الإنفاق والإستهلاك خاصة ان معظم هذه الوسائل والآليات اصبحت رقمية مع الوقت.
الخلاصة الأزمة الاقتصادية المتوقعة ليست كما نتصورها ويتحدث عنها الإعلام، نعم سيشهد العالم ركودا جزئيا ومستوى محدد من الكساد لكن ذلك لا يؤدي الى انهيار الاقتصاد العالمي بل انهيار بنية النظام من حيث الوسائل والأليات وليس النمو. وعندما نتحدث عن انهيار فنحن نتحدث عن انهيار في الوسائل والآليات ومن جهة اخرى عملية بناء برؤية( النظام الجديد) وبالحصلة هذه الازمة العابرة تعد هي المدخل للبدأ بتطبيق رؤية 2030 وهي رؤية التحول العظيم نحول النظام العالمي التقني الأكثر استقرارا. اما الدول التي ستتضرر من هذه الأزمة فهي الدول الكسولة( المتخلفة) أو مايعرف بدول العالم الثالث بإستثناء جزء ضئيل من الدول التي حققت نموا متسارعا كالبرازيل والمكسيك ومصر الى حد ما. لكن ذلك الضرر يزداد ويتوسع خلال هذا العقد في الدول المتخلفة تكنولوجيا( الدول غير التقنية) والتي تعجز عن احداث تحول تقني يحقق لها مساحة وجود في عالم 2030.