بقلم: كرم نعمة
الشرق اليوم– تمعّنْ قليلا، تجد أن الانقسامات السياسية والحزبية المألوفة في أغلب نظم العالم السياسية، عادة ما تكون تحت السطح منذ أسابيع.
لقد قتل فايروس كورونا تلك الخلافات السياسية، بل إن أشدها وقعا عندما تتعلق بالهوية تراجعت ولو مؤقتا، إلا في العراق! هناك عناد أبله موغل في العصبية، كل شيء ثانوي إلا الإمساك بسلطة المصالح، وأن تصل خطورته بنظر السياسيين إلى الإبادة كانتشار الوباء، فالاتفاق على توزيع الحصص السياسية يجب أن يكون في مقدمة الاهتمام، كل شيء من أجل المحاصصة “تكرار لجملة قديمة كل شيء من أجل المعركة” قبل وأثناء انتشار كورنا، وإن عمل الفايروس تصدعات في وجه البلاد الواهن أصلا!
بل أن العلاج الطبي بنظرهم ليس له أهمية عندما توفر الخرافة التاريخية حلا دائما، وعليك أن تربطها بأي مشكلة، زيارة المراقد وفق ثقافة إطلاق القطيع السائدة كانت تحلّ أسوأ الانقسامات القاتلة، فكيف لا تكون علاجا مضمونا وحاسما لكورونا.
بذلك يكون العراق السياسي استثناء، على العكس من كل دول العالم. مع تصاعد الضرر البشري والاقتصادي الناتج عن انتشار الوباء بطريقة عشوائية، لا يوجد في جداول سياسيي المنطقة الخضراء منهاج حل أو خطة تتعلق بالوباء، بقدر استمرار فكرة المواجهة مع الخصوم الافتراضيين -وإن بدوا حقيقيين- على توزيع الحصص الحكومية والجدل المرافق لاختيار رئيس الوزراء.
قبل ذلك لا أحد قادر حتى على الزعم بأن النظام الصحي في العراق جدير بتقديم الخدمات اللوجستية للناس، فهو منهار وينخره الفساد ولم يكن من ضمن اهتمامات كل الحكومات منذ عام 2003.
التشبيهات بزمن الحرب الشائعة غير دقيقة هنا. في الحرب يستبدل الأعداء المحليون بأعداء أجانب، ولدى هؤلاء الأعداء وجوه وأسماء. لكن الواقع في حرب المناصب المستمرة في المنطقة الخضراء، كل شيء يبدو افتراضيا، لا يوجد أمر واقعي كي يبيده فايروس كورونا إلا الشعب العراقي، فالحكومة افتراضية، سلطتها لا تتعدى مبانيها في المنطقة الخضراء، القرارات كذلك، عندما يتعلق الأمر بالحجر الصحي مثلا، دعك من الوعود والإنجازات فقد عرف العراقيون الأكاذيب السطحية والعميقة من السياسيين ورجال الدين على حدّ سواء، كلها قادمة من بؤر الأحزاب الطائفية الحاكمة.
وحدهم المنتفضون العراقيون حقيقة تاريخية مذهلة في هذا البلد المخطوف، لذلك تأثروا بانتشار بالوباء وانسحبوا مؤقتا من أجل المستقبل، من دون أن يتخلّوا عن الأمل في استعادة بلادهم المخطوفة من قبل الميليشيات.
هناك رغبة نبيلة تعمّ دول العالم في التوحد بمواجهة حالة الطوارئ الوطنية، الأحزاب السياسية مسحت صفحة الماضي. يمكن سماع دعوات مماثلة إلى التخلي عن الحزبية السياسية في جميع أنحاء العالم، في الوقت الذي تكافح فيه الحكومات، من سيول إلى واشنطن، من أجل الاستجابة. وهناك بالفعل أمثلة قوية على أعداء سياسيين لدودين يتحدون معا. فمن يعطينا مثالا من العراق!
في بريطانيا، حالة الطوارئ الصحية وضعت السياسة العادية في مرتبة متأخرة، حتى الجدل بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصبح غير مهما. موجة التعاطف مع بوريس جونسون في أزمته الصحية فاقت كل خلاف سياسي على بريكست ومستقبل البلاد.
إذ كنّا نتفق جميعا على أن بريكست الذي تقاتل عليه السياسيون البريطانيون على مدار سنوات وقسّم البلاد وعطلها لأشهر، لم يعد له أهمية حيال انتشار كورونا، وأن الازدراء المتصاعد بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وطبقات سياسية وإعلامية عديدة تراجع بشكل مفاجئ، فإننا جميعا لا نملك مثالا واحدا يأتينا من العراق عن تراجع تقسيم الحصص والتفرّغ لمنع انتشار الوباء.
فبينما البلاد برمّتها تسقط في هوة الوباء القاتل، كان الحاكم الإيراني الفعلي الجديد إسماعيل قآني يتجول في بغداد من أجل إبقاء وحدة الطائفة فوق أي اعتبار وطني آخر! لا أحد تحدث آنذاك عن كورونا بقدر التحدث عن رئيس الوزراء البديل، لا يحدث مثل ذلك السقوط إلا في العراق المخطوف من قبل الميليشيات.
يصعب على جدعون راتشمان كبير محرري الشؤون الخارجية في صحيفة فاينانشيال تايمز، أن يرى توحيد دولة لكفاح طويل ضد مرض بوصفه عدوّا غير بشري وغير مرئي، إلا أن الخطر يتجاوز سياسات الطائفية والحزبية والعرقية والمذهبية، ذلك ما لا تفهمه نماذج شنيعة مثل محمد الحلبوسي ونوري المالكي وهادي العامري ومقتدى الصدر وعدنان الزرفي وعادل عبدالمهدي…