بقلم: مهند الدراجي
الشرق اليوم- يبدو أن عراقنا لن يعرف معنى الاستقرار السياسي على المدى المنظور، وما يؤكد هذا الواقع المرير هو ما جرى من أحداث سياسية خلال الأشهر الماضية، لتتجلى في عدم القدرة على تشكيل حكومة تحاكي طموحات الشعب العراقي وآماله، بالرغم من أن ذلك قد يكون صحيا للحالة السياسية العراقية؛ فالبعض ينظر للعراق على أنه نموذج ديمقراطي يمارس طقوسه كاملة دون أن يكون لطرف واحد القدرة على فرض نفسه على الواقع الصعب للعراقيين، لكن ما هو خفي في الموضوع هو أعظم وأكثر تعقيداً.
لذا لا بد من إحياء مرحلة الحسم من جديد ــــ التي عاشها الشعب العراقي في فترة القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي ــــ فهذه المرحلة هي التي ستنقذ العراق من سلبيات الديمقراطية وعراقيلها، والتي لا يحتاجها العراق اليوم بقدر حاجته لقائد سياسي وعسكري واجتماعي يحسم أمور الدولة لمدة عام واحد ويشرف وحكومته على انتخابات نزيهة، ومن ثم يسلم زمام الحكم إلى من يختاره الشعب.
كثيرة هي الأسماء التي تنطبق عليها هذه الصفات، ولكنني شخصيا أتوقع أن “هادي العامري” بكل ما يحمل اسمه من جدل، هو المؤهل لقيادة المرحلة الحالية، حتى نعاود مزوالة حياتنا السياسية من جديد.
“أبو حسن العراقي”، الذي يشبهنا ويمثل في حرصه ووطنيته شريحة واسعة من المجتمع العراقي على اختلاف توجهاته، قد يعتبر أحد الشخصيات العراقية التي تعرضت للظلم بسبب إيمانه ومواقفه وأفكاره التي قد نختلف ونتفق عليها، لكن ذلك لا يمنع من أن نصفه بأنه واحد من رجال المرحلة وأن له محطات مضيئة في تاريخ العراق الحديث.
فهو متمكن سياسياً في السطلتين التشريعية والتنفيذية، ويشكل اليوم العمود الرئيسي في مجلس النواب من خلال تحالف “البناء” الذي يتزعمه، وهناك حالة من التوافق الداخلي عليه؛ فلا يضيرنا أن نفكر في خياراتنا كشعب وكسلطة.
ويعرف الجميع السيرة الذاتية لـ “هادي العامري” ومراحلها التي قد ينظر إليها البعض على أنها لا تحمل في طياتها أجندة وطنية، بداية من انتمائه إلى الحركة الإسلامية الشيعية في العراق في مقتبل عمره، وعلاقته بحزب الدعوة الإسلامي، مروراً بمشاركته في صفوف الجيش الإيراني للقتال ضد الجيش العراقي في الحرب الإيرانية العراقية التي اندلعت في ثمانينيات القرن الماضي، وبتأسيسه لفيلق “بدر”، ووصولا إلى أن كان أحد أهم قادة فصائل “الحشد الشعبي” التي تشكلت بعد فتوى “الجهاد الكفائي” والتي أطلقها المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله، علي السيستاني، لتعبئة القوى الشيعية والعراقية من أجل التصدي لتمدد تنظيم “داعش” الإرهابي.
ومن وجهة نظري كمتابع، لم تغب الوطنية أبداً في السيرة الطويلة لـ “العامري” عن تصرفاته؛ فهو مؤمن تماماً بحقوق المواطن العراقي، وأن العراق للجميع وليس لـ صدام حسين أو غيره؛ لذا فلا يمكن المزاودة على وطنية الرجل، وإن مواقفه شاهدة وحية في جبهات القتال الأخير ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، وهو من أوائل الرافضين للوجود الأمريكي على أراضي العراق، وللتدخل في سيادته.
الأمر الذي يجعل من “العامري” خياراً مناسباً لقيادة المرحلة القادمة، لأنني متأكد أن مصالح البلاد تطغى على مصالحه الشخصية، وهو شخص متجدد يسعى باستمرار إلى تطوير الحياة السياسية في العراق، وأقرب الشواهد على ذلك هي وأنه بالرغم من أن كتلة تحالف “البناء” التي يترأسها تشكل الكتلة الأكبر، إلا أنه صرح في نوفمبر 2019 بأن النظام البرلماني في البلاد “قد ثبت فشله”، داعيا إلى تعديل الدستور العراقي نحو نظام آخر “يناسب الوضع الراهن في البلاد”، معتبرا أن الحكومات المحلية هي الأخرى قد ثبت فشلها، مضيفاً إلى أن “الحل الحقيقي” يكمن في إعادة صياغة العملية السياسية تحت سقف الدستور ومن خلال إجراء تعديلات دستورية جوهرية.
ومن المتوقع والمرجح أن يكون هناك اعتراض دولي وإقليمي على شخص الرجل، بسبب المزاعم حول مواقفه أو قربه من إيران؛ لكن العراق هو الأهم، ويحق له أن يمارس سيادة غير منقوصة، وأن يتخذ القرار المناسب من أجل إنقاذ البلد من حالة الفراغ والتجاذب السياسي التي يعيشها. كما يعيش العالم اليوم في مرحلة المصالح إذ أن هناك أزمة صحية عالمية، تبحث فيها كل دولة عن طريقة للنجاة، ونحن أيضا يجب أن نبحث عن طريقنا الأفضل لإدارة البلاد.
ومن الواضح أن المكلف بتشكيل الكابينة الوزارية، عدنان الزرفي، لن يستطيع ذلك، ولن تتوافق عليه الأطراف السياسية، وسيعتذر من الشعب العراقي كمن سبقه، وسننتظر من جديد أن يكلف الرئيس، برهم صالح، شخصا آخر.
إن نصيحتي للرئيس، برهم صالح، من عراقي لأخيه هي أن تكلف المرة القادمة شخصاً يستطيع إدارة الملف السياسي، وتُجمع عليه كل الأطراف؛ فالعراق وشعبه لا يملكون ترف الوقت للعيش في فراغ سياسي من شأنه أن يُعمق التعقيدات السياسية الحالية؛ خاصة في ظل ما يمر فيه العالم من أزمات.