بقلم: زهير قصيباتي
الشرق اليوم- شراسة وباء كورونا نجحت في تجميد انتفاضة العراقيين لكنها فشلت في تطويق نزاعات الطبقة السياسية، خصوصا القوى الشيعية، وكلها نجت من ضغوط المتظاهرين لفرض حجر يبعدها عن مزاولة حكم الحصص والمغانم.
نحو أربعة أشهر مضت على استقالة حكومة عادل عبدالمهدي، وإن كانت المعضلة التي باتت مزمنة هي ولاء الجزء الأكبر من القوى والفصائل الشيعية والميليشيات المتخفية تحت قبعة الجيش العراقي للقرار الإيراني، فالوجه الآخر للإدمان على وصاية طهران هو “عقم وطني”، لأن من يعجز عن بناء دولة لا يمكن أن يحمي وطنا.
بعد محمد علاوي، أمام عدنان الزرفي مهلة حتى الـ17 من أبريل لتشكيل حكومة، تستبعد حتى أكثر التوقعات تفاؤلا أن يرى العراقيون ولادتها ولو بعملية قيصرية. فالجميع ما زالوا أسرى “لعبة” نظام المحاصصة الذي تمسك إيران بخيوطه، تلهي أركانه بمغانم وامتيازات، فيما تحتجز العراق وقراره رهينة لمصالحها، ومقتضيات الاشتباك مع الأميركيين.
نجح وباء كورونا حيث فشلت كل محاولات مقتدى الصدر في تجميد الانتفاضة التي حاصرت كل رموز النظام وأدوارها، فبات الوباء العدوّ لطهران في إيران، صديقا جمد ارتدادات الزلزال السياسي الذي هز مصالحها في العراق منذ أكتوبر الماضي. تلك هي المفارقة الأولى في وقائع يوميات وباء عالمي في بلاد الرافدين.
والمفارقات الأخرى التي جاءت مع الوباء، ولم تبدّد فايروس الجشع وأوهام القوة المطلقة لدى الساسة في المنطقة الخضراء وكل حشود الفصائل التي صادرت الدولة، تتبدى مع عجز النظام عن تجديد ذاته ولو بإعادة إنتاج تقليدية.
وبافتراض قدرة الأحزاب والكتل على حسم توافق الحصص، يأتي النزاع على شخصية رئيس الوزراء المكلف، عدنان الزرفي بعد محمد علاوي، ليضاعف أحجية العقدة الخفية التي تحاصر ولادة حكومة. فهل القرار الإيراني وحده هو العائق؟ هل تسعى طهران إلى فرض شخصية تذعن لسياساتها؟ وهل تماطل بعد ارتباك شديد تحت صدمة الانتفاضة على مصالحها في العراق؟
الأكيد أن وباء كورونا الذي استخدمته طهران مادة للتراشق بالاتهامات مع واشنطن، يستأثر بأولوية لدى النظام الإيراني الذي بدا ترابط مفاصله واهنا منذ قتل الأميركيين الذراع الطويلة للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
والصحيح أيضا – وهنا المفارقة الثالثة – أن عدوّ طهران في إيران، الوباء العالمي دفع قوات التحالف في العراق إلى استعجال الانسحاب من هذا البلد، وقدم غطاء للقوات الأميركية لتسرع إخلاء قاعدتين (القائم والقيارة)، بالتالي تحقيق ما تريده القوى الشيعية مراعاة لرغبة المرشد خامنئي في الانتقام لقتل سليماني.
واللافت أن الفصائل الشيعية المسلحة استنسخت النهج الأميركي وسياسة الضغوط القصوى التي تمارسها إدارة الرئيس دونالد ترامب مع إيران، فلم تتوقف عن توجيه الرسائل الصاروخية إلى واشنطن عبر استهدافها منطقة سفارة الولايات المتحدة في بغداد، بالتزامن مع إخلاء التحالف والأميركيين قاعدة القيارة الجوية.
في حسابات الفصائل، خصوصا حزب الله العراقي، ومن ورائه طهران، أن الوباء لا يغير جلده في أميركا، وأن تداعياته قد تطيح كل ما فعله ترامب لإقناع شعبه بانتخابه لولاية ثانية. ما تريده الميليشيات العراقية في آن هو حشره في الزاوية أمام خيارين، كلاهما يضر بنهج الرئيس الأميركي الذي تلقى 26 رسالة صاروخية، جيّرتها الفصائل لحساب إيران: تسريع الانسحاب من العراق وهو خيار ضريبته مكلفة جدا لسيد البيت الأبيض الذي لن يغامر في عام انتخابات بتقديم هدية كبرى لخامنئي تفوق أهميتها كل ما أنجزه بسلاح العقوبات… والخيار الثاني استمرار التحدي في الرد على كل رسالة صاروخية من الميليشيات العراقية.
تحت سقف المواجهة ورذاذ الوباء، لا تبدو وعود الزرفي أقل ابتعادا عن الواقع من البرنامج الذي أطلقه محمد علاوي قبل استسلامه للمستحيل وانسحابه من ماراتون استيلاد الحكومة. فلا الابتعاد عن الصراع الأميركي – الإيراني متاح بقرار عراقي، ولا رحلة الألف ميل إلى “العراق أولا” بدأت خطوتها الأولى.
مأساة العراق عقم وطني، لا تجدي معه كل حملات التعقيم، ما دام الحاكم هو الضوء الأخضر الإيراني.