بقلم: د. ماجد السامرائي
الشرق اليوم- رغم انشغال العالم ودوله بتوفير القدرات اللازمة لمواجهة كارثة وباء كورونا، فإن نظام طهران غير المكترث بموت الملايين من الناس في بلاده أو العراق أو العالم بل هو منشغل في مواجهة مشاكل نفوذه في العراق.
أحزاب الميليشيات الإيرانية قلقة من احتمالات فتح رئيس الحكومة المكلّف عدنان الزرفي الذي اختاره رئيس الجمهورية دون رضاهم لملف الميليشيات والحشد الشعبي، وأنه سيقوم إذا ما تم تمريره بالبرلمان وفق خطة هادئة بتفكيكها وهذا ما صرح به قبل يومين في اجتماعه مع سفراء الدول الخمس الكبرى ببغداد.
لهذا، استنفرت القيادات الشيعية وميليشياتها المسلحة إمكانياتها السياسية والإعلامية لمنع هذا التكليف باستحضار لنظرية المؤامرة الإيرانية وتسويقها بسذاجة لمنع وصول الزرفي إلى رئاسة الوزراء، متوهمين بأن شعب العراق هو أولئك القلة من البسطاء الذين لعبوا بعقولهم في تمرير الخرافات والطقوس المتخلفة.
كان مطلوبا تفعيل كذبة “الانقلاب العسكري في العراق” وربطها بأحداث غير محلية لكي تبدو مقبولة وشحنها بوسائل وأدوات إعلامية إيرانية ومحلية عبر موظفين إيرانيين يجيدون مهنة الكذب توفرّت لهم فرص مخاطبة الرأي العام العربي والعراقي في مناسبات مختلفة. فتمّ الدفع بالمدعو أمير موسوي، وهو موظف علاقات صغير في الحرس الثوري الإيراني، لنسج الكذبة بالتحضير لانقلاب عسكري أميركي في العراق عبر مقابلة له في صحيفة كويتية، وقد صدّق كذبته واعتبرها قنبلة إعلامية لتتوالى عليه مقابلات القنوات الفضائية العراقية الباحثة عن الخبر المثير في ظل غموض الوضع السياسي العراقي.
كان إخراج كذبة الانقلاب العسكري يتطلب استثمار حدث ذي جانب عسكري، فاستغل المدعو المذكور المناورات العسكرية الأميركية الإماراتية الأخيرة التي جرت في الإمارات قبل أسبوع ضمن سياق دوري كل سنتين، فأشاع كذبته بأنها مناورة لسيناريو الانقلاب العسكري الأميركي المقبل في العراق. ونسج من خلالها تفصيلات فيلم كارتوني يتحدث عن مشاركة عدد من القوات الأميركية التي خرجت من العراق أخيرا، مدعيا حضور شخصيات سياسية مدنية عراقية في ربط شوارعي غير مقنع على أنها محاكاة لعمليات قصف وإنزال لمدينة عراقية تحتوي على مبان وبرج مراقبة ومصفاة ومسجد مركزي وأن هذه المدينة هي الكاظمية ببغداد التي تحتضن مرقد الإمام الشيعي الكاظم، أو كربلاء حيث مرقد الإمام علي بن أبي طالب.
الانقلاب العسكري كذبة إيرانية سمجة، تتكرّر اليوم ونتذكر قبل أشهر كيف تم ترويج مثل هذه الحكاية بخبر تحضير الجنرال طالب شغاتي رئيس جهاز مكافحة الإرهاب لمحاولة انقلابية تم تكذيبها من قبله مباشرة مشيرا إلى تهكير تعرض له موقع الجهاز المذكور.
لا وجود لفكرة الانقلاب العسكري في أجندات أميركا ترامب، فهو غير مهتم بالعراق إلا من خلال نفطه. ما يجري اليوم هو إعادة تموضع لتلك القوات لحماية قواعدها، وأميركا الدولة العظمى في العالم تمتلك 450 ألف جندي في 135 بلدا من العالم. هناك استعدادات لترحيل جزء من القوات الأميركية في العراق كجزء من هذا النظام وليس رضوخا لرغبة إيران. سبق لواشنطن أن رفضت سيناريو الانقلاب العسكري الذي قدمه إياد علاوي عن طريق المخابرات الأميركية قبيل اجتياح 2003 والذي كان يمكن أن يحافظ على مقوّمات الدولة العراقية ويكتفي بإزاحة مجموعة النظام الحاكم، لكن قوى اليمين الأميركي كانت راغبة في تفكيك الدولة وتدمير البلد عن طريق احتلاله وتسليمه لإيران.
تحاول قوى الميليشيات الإيرانية استباق أيّ محاولة لفك اختطاف البلد السياسي بعد التحرك الضاغط لقوى برلمانية ذات نسبة عددية اجتمعت داعمة لتكليف عدنان الزرفي متحالفة مع قوى الحراك الشعبي المنتفض قابلتها لجنة الأحزاب الخمسة الرافضة لهذا التكليف. فالمعركة الحالية تدور بين شيعة اللادولة وشيعة الدولة.
هذا الوضع المربك ممزوجا بحالة الانهيار العام للوضع العراقي سيقود إلى السيناريو الأخطر وهو دخول هذه الميليشيات في مسار انتحاري عبر ترويج نظرية المؤامرة بأكذوبة الانقلاب العسكري في العراق وتمريرها لتشكل غطاء للخطوات الجهنمية المقبلة في موجة عنف ضد الشيعة، ولا يستبعد أن تقوم بعمليات تفجير للمراقد الشيعية في بغداد أو كربلاء أو النجف، ألم تقم طهران عبر ميليشياتها بتفجير مرقد الإمامين العسكريين بسامراء كغطاء لعمليات الإبادة للعرب السنّة.