بقلم: فاروق يوسف
الشرق اليوم- في أوقات سابقة كان رئيس الوزراء في العراق يتمُّ اختياره بناء على تسوية أميركية – إيرانية. الآن تبدو تلك التسوية أشبه بالعقدة المستعصية على الحل. وهو ما يمكن أن يشكل مؤشرا على واحد من أمرين.
إما أن تكون الدروب الخفية التي كانت مفتوحة بين الطرفين قد أغلقت بما يدفع بالطرفين إلى التصرف بطريقة يغلب عليها طابع التعجيز، أو أن يكون الطرفان قد اهتديا إلى مستوى جديد من التفاهمات العاجلة، صار الاتفاق على إقامة حكومة جديدة في العراق بموجبها مسألة ثانوية.
ولأن الأحزاب العراقية، جميعها من غير استثناء، تُحسبُ على إيران فإن عجزها عن فرض مرشح يتم التوافق عليه لا يمكن اعتباره إلا دليلا على ضعف المرجعية السياسية التي تستند إليها. سيُقال إن الأمر تُرك لأول مرة للعراقيين وفشلوا فيه.
ذلك صحيح إلى حد كبير. فرؤساء الحكومات السابقة لم يتم اختيارهم لأن تلك الأحزاب فرضت إرادتها، بل إنهم اختيروا بعد أن منحوا بطاقة خضراء تسمح لهم بتخطي الخطوط الحمراء التي فرضها الشريكان الإيراني والأميركي.
لكن بعد استقالة عادل عبدالمهدي تحت ضغوط شعبية، صار واضحا أن أي مرشح لمنصب رئاسة الحكومة ستكون حظوظه قليلة لا بسبب اعتراض الشعب عليه بل بسبب تعارض المصالح بين الأحزاب وبالأخص تلك التي تزعم أنها تمثل المكون الشيعي.
الاختلاف في المصالح الحزبية لا يعني اختلافا على البرنامج السياسي والخدمي للحكومة. فذلك البرنامج هو آخر ما تفكر فيه الأحزاب التي تدرك أن وجوده لا يمكن أن يلحق ضررا بمصالحها.
وفي كل الأحوال فإن كل الحكومات السابقة لم تطرح برنامجا سياسيا واقتصاديا واضحا لا لشيء إلا لأن إيرادات العراق المالية الهائلة ليست مخصصة لمثل ذلك النوع من السلوك.
ذلك ما يمكن تلمّسه واقعيا. فقطاعات الصحة والتعليم والكهرباء والمواصلات والثقافة وسواها بقيت على حالها كما لو أن العراق لم يغادر بعد حروبه. مشاهد الانهيار الشامل لا تزال قائمة بمعزل عن ارتفاع أسعار النفط أو انخفاضها. فكل ما يدخل إلى العراق من أموال يذهب مباشرة إلى ثقب أسود يبتلعه ولسان حاله يقول “هل من مزيد”.
لذلك فقد كانت الأحزاب مطمئنة إلى الوصفة الأميركية – الإيرانية. من خلالها تتحقق عدالة نظام المحاصصة. هي وصفة منصفة. رئيس حكومة يكون بمثابة واجهة لعملية فساد عظمى يجري في سياقها توزيع ثروات العراق حصصا بين الأحزاب، من غير أن يتخطى حزب حقوقه أو يسطو على حقوق الأحزاب الأخرى. ذلك زمن الراحة الذي أنهاه تحول غامض في العلاقة بين الشريكين، من المؤكد أن مقتل قاسم سليماني، ممثل خامنئي لإدارة الميليشيات، كان واحدا من أهم علامته المشؤومة.
انتهى زمن الراحة وأظهرت الأحزاب كلها شراسة في محاولة التوسيع من دائرة مصالحها. وهو ما ينهي كذبة البيت الشيعي، وفي الوقت نفسه يكشف عن أن الولاء لإيران لا يصنع جبهة موحدة مثلما هو حال الولاء للوطن.
يدافع الحزبيون اليوم في العراق عن مصالحهم بغض النظر عن الشعارات التي يرفعونها. إنهم في حاجة إلى الاطمئنان إلى أن تلك المصالح ستكون مصانة، حينها يمكنهم أن يتوافقوا على شخصية رئيس الحكومة بغض النظر عن ولائه، أميركيا كان أم عراقيا. فذلك موضوع يُعدُّ ثانويا.
ومن الضروري هنا التأكيد على أن الولاء الأميركي لن يكون أفضل بالنسبة للعراقيين من الولاء الإيراني. فالأمران متشابهان من جهة الحرص على تثبيت الأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال. بالنسبة للشريكين فإن سلطة الأمر الواقع تقع فوق كل السلطات.
ذلك يعني أن العراق بشعبه ودولته ومصيره ومستقبل أجياله سيظل ملفا مغلقا.