الرئيسية / الرئيسية / كائنات ما قبل الدولة

كائنات ما قبل الدولة

بقلم: حسين العادلي

الشرق اليوم- تطوّر الفرد إلى مواطن والجماعة إلى مجتمع والسلطة إلى دولة، رهن الاكتشاف والامتثال والتماهي بين ثلاثي: الفرد-المجتمع-الدولة، وإلاّ ستدمّر الدولة ، وإلاّ ستدمّر الدولة كائنات ما قبل الدولة!! فعلى الفرد أن يكتشف ويمتثل لإنسانيته المجتمعية ولمواطنيته بالدولة، وعلى المجتمع أن يكتشف ويمتثل لتنوّعه كأمّة إنسانية ولتشكّله بالدولة كأمّة وطنية، وعلى الدولة أن تكتشف وتمتثل لكونها أمّة أفراد تشكّل مجتمعاً سياسياً فأمّةّ وطنية سيادية،.. والإكتشاف والإمتثال هنا صيرورة وعي فتفويض فإلزام فالتزام فمسؤولية فنظام فدولة.

إذا لم يتم الإكتشاف والإمتثال والتماهي المتبادل، فستسود مرحلة بدائية جداً لأدوار الفرد والمجتمع والدولة، فسيبقى الفرد فرداً -في وعيه وحركته- يعيش خارج إطار المجتمع والدولة، متمرداً على القيم والقانون، وشاذاً عن استحقاقات النظام والمسؤولية،.. وسيبقى المجتمع يعيش ولاء الجماعات والمجتمعيات دون أن يكتشف ويمتثل للمشترك الإنساني والوطني، وسيرتضي لنفسه عصبيات وعصبويات عرقية طائفية اثنية يجد فيها الاعتراف والحماية والمصلحة على حساب المجتمع والدولة المشتركة،.. والأمر ذاته يصدق على الدولة، فعندما تفشل في معاييرها الوطنية وفلسفتها الوظيفية ودورها المؤسسي وكيانها المحايد تجاه مواطنيها ومجتمعياتها فستتحول إلى سلطة، والسلطة إلى سلطات بعدد العصبيات والعصبويات المجتمعية السياسية، ليسود المشهد كائنات ما قبل الدولة.

المواطنة والمواطنية، الديمقراطية والتعايش، الهوية والولاء، القانون والنظام العام، المؤسسات والأحزاب، التعليم والإقتصاد..الخ،.. اكتشافات وامتثالات متبادلة تستند قاعدة الوعي والتماهي بين ثلاثي: الفرد-المجتمع-الدولة، لضمان تكامل نظام الدولة،.. ونظام الدولة بدوره يقوم بمهمتين أساسيتين، هما: إدارة الخلافات وتحقيق المصالح، وهنا تتولّد الحاجة الى النظام المستند إلى القانون، مما يولّد الحاجة الى السلطة لفرضه. وباعتماد السلطة يتشكل المجتمع السياسي تلقائياً، ومع تنامي حاجات ووظائف المجتمع السياسي تتنامى السلطة تدريجياً. ولا يجد المجتمع الإنساني (مجتمع الحاجيات) نفسه إلا في المجتمع السياسي (مجتمع السلطة)، كونه القادر على حل الخلافات وتحقيق المصالح نتيجة لتوافره على عناصر الإدارة والإلزام واحتكار شرعية القوة، ولا يجد مجتمع السلطة نفسه إلاّ بـ (مجتمع الشرعية)، وقاعدة مجتمع الشرعية الإكتشاف والإمتثال المتبادل بين الفرد والمجتمع والدولة.

تطوّر مجتمع الشرعية رهن تطوّر الوعي والثقافة والأداء لثلاثي الفرد والمجتمع والدولة في فهم طبيعة وأدوار كل منهما تجاه الآخر وما ينتجه التفاعل (لا الإنفعال) من صيرورة مشتركة تخلق تطوّراً تصاعدياً من الفرد إلى المجتمع ومن المجتمع إلى الأمّة ومن الأمّةّ إلى الدولة التي هي بالنهاية أمّة وطنية سيادية تمثّل مواطنييها على مستوى الإعتراف والحماية والمصلحة.

لولادة الأمّة الوطنية السيادية لا مناص من اعتماد: المواطنة التامّة المفعمة بالحقوق والواجبات، والديمقراطية الصانعة للقرار والسلطة السياسية، والمواطنية المفعمة بالولاء والحيوية، والتعايش الضامن للتعددية الشاملة،.. وجميع قوانين وأنظمة الدولة إنما هي رهن اعتماد هذه الأسس، فهي الضامنة لخلق صيرورة الإندكاك والتماهي لعملية إكتشاف وامتثال نوعي وإيجابي للعلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة.

عملية الإكتشاف والإمتثال تلقائية أم إكراهية؟ بتصوري هي إكراهية بمراحل التأسيس وإعادة بناء الدول، ثم تتحول إلى تلقائية بمجرد تشكيل بنية الدولة الأولى لتسير على سكة التكامل فالتماهي فالتّطور،.. فالفرد والمجتمع يُحملان على الإكتشاف والإمتثال بمرحلة التأسيس للدولة ولا يُخيران،.. وهو ما نحتاجه عراقياً.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …