بقلم: د. باهرة الشيخلي
الشرق اليوم- ربما سيستمر الصراع بين القوى الشيعية في العراق على منصب رئيس الوزراء حتى منتصف العام الحالي إلا إذا تم حسمه بطريقة غير متوقعة، وربما من سيحسمه سيكون من خارج اللعبة المسماة العملية السياسية.
آخر المعلومات المسرّبة أن القوى الشيعية رشحت ثلاث شخصيات بديلة لرئيس الوزراء المكلف، عدنان الزرفي، أرسلت أسماءها إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر للتوافق حول واحد من الأسماء، وهي أحمد الغبان ومنير السعدي ومحسن الظالمي، وإذا فشلت هذه القوى في الاتفاق على أي من هذه الأسماء سيمضي الزرفي في تقلد المنصب. وواضح أن الهدف من هذه الترشيحات هو كسب الوقت وقطع الطريق أمام الزرفي لتشكيل حكومته وضمان بقاء المستقيل عادل عبدالمهدي في منصبه لكي لا يأتي رئيس وزراء يحاسب الفاسدين.
وفي غضون هذه الصراعات شهد الحشد الشعبي في العراق تصدعاً، حيث التقى أحمد الصافي وكيل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، الخميس، أربعة فصائل من فصائل العتبات الموالية للسيستاني (فرقة العباس القتالية ولواء علي الأكبر وفرقة الإمام القتالية ولواء أنصار المرجعية)، وتحدث، خلال اللقاء عن مشروع جديد لتلك الفصائل، حسب ما أفاد بيان صادر عن فرقة العباس.
ونصّ المشروع على أن تكون كل الفصائل المنضوية تحت جناح الحشد الشعبي وطنية، في إشارة مبطنة إلى فصائل تجاهر بولائها لإيران.
أي مرشح لمنصب رئيس الوزراء سيصطدم بالرفض الشعبي الواسع، كما حصل مع الزرفي الذي جاء تكليفه معاكساً للمعايير والصفات
الصراع على أشده بين قوى كانت حتى الأمس القريب متحدة حول دعوى مظلومية الشيعة ونصرة المذهب، ثم إذا وصلت إلى المغانم بدأ صراعها الذي ينذر باقتتال بينها بمعزل عن الشعب المستمرة خساراته معها، منذ نحو 17 سنة، وعندما أعلنت القوات الأميركية الموجودة في العراق الانسحاب من بعض مواقعها تجنباً لهجمات الميليشيات الإيرانية، خشي الكثير من العراقيين أن يفجر هذا الانسحاب الحرب الشيعية – الشيعية، التي بشروا بها منذ زمن.
منذ أن سلم المحتلون الأميركيون، العراق، هدية إلى حكام إيران بوساطة من انتدبتهم طهران وكلاء لها، يشهد الوضع السياسي في العراق ارتباكا لم يعرفه تاريخ البلد، حتى كأن الهدوء لن يعود إلى ربوعه، إذ تعمّ الفوضى مفاصل الحياة كلها، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ويغيب التفاهم ويتعذر البحث عن الحلول.
وهذه الفوضى، تشمل مخطط تقاسم العراق بين أميركا وإيران، وتظهر في السياسات الإيرانية تجاه العراق، وكذلك في السياسات الأميركية التي يشوبها الكثير من الجهل والتخبط في كل ما يتعلق بالشأن العراقي، ما أربكها ودفع بها إلى أن تعتمد في الكثير مما يتعلق بالعراق على غيرها، كما فعلت ذلك حين سلمت الملف العراقي في بعض القضايا إلى بريطانيا.
وظهرت هذه الفوضى في أطروحة المكونات، وهي أطروحة مشبوهةً، أريدَ منها التجزئة والفرقة والخلاف، وليس الاعتراف بالمساواة بينها، لذا كان الخلاف بين ممثلي هذه المكونات ممن أفرزتهم العملية السياسية الفاسدة، هو السائد في العلاقات بينهم وكانوا جميعهم في سباق محموم لإرضاء أميركا وإيران، في آن واحد.
ثم امتدت الفوضى وما نتج عنها من صراعات من أجل المصالح إلى ممثلي المكون الواحد، وتحولت الصراعات إلى مشروع لتخريب وحدة الكيان الوطني ووحدة المكون الواحد، وصار واضحا أن شخصيات العملية السياسية هي التي تخلت عن انتسابها الوطني، وصارت تبحث عن مرجعيات أجنبية، وما يحدث من صراع تخريبي في هذه المرحلة على منصب رئيس الوزراء، ينطلق من قصد واحد هو نيل رضا حكام إيران، حتى لو كان ثمن هذا الرضا، المزيد من دمار العراق وخرابه.
وإذا كانت هذه وجهة نظر بما يجري في العراق، منذ قدّم عادل عبدالمهدي استقالته من رئاسة الحكومة واعتذر محمد توفيق علاوي عن التكليف، فإن هناك وجهة نظر أخرى تقول إن الأمر تجاوز نيل رضا ولي الأمر الإيراني لأن أحزاب المستوطنين نقلت العراق كله إلى مائدة السياسة الإيرانية، فقد كان أول قرار اتخذه هؤلاء المنتقمون أنهم علّقوا القانون ونصبوا أنفسهم أسياداً على العراقيين، وأن الذي جرى هو أنهم استحدثوا كياناً مستقلاً حتى قضوا على مؤسسات الدولة كافة، وجعلوا لهذا الكيان برلمانا خاصا بأحزابهم وحكومة فوق المساءلة وفوق القانون وابتكروا جيشا أطلقوا عليه اسم الحشد الشعبي، فكان نوري المالكي هو الدولة والدولة هي نوري المالكي واتبع إبراهيم الجعفري، من قبل، النهج نفسه، وسار على الطريق ذاته حيدر العبادي وأكمل الدرب عبدالمهدي، وهكذا.
لغريب أن المعسكر الذي نسميه شيعياً، انقسم على نفسه إلى ولاءين أحدهما لأميركا وثانيهما لإيران، ويعيّر كل قسم شقيقه بولائه، فالموالي لأميركا يريد استثمار كراهية العراقيين للنفوذ الإيراني في بلدهم وما جلبه لهم من خراب وقتل وإبادات. فيما الموالي لإيران يريد استثمار معاداة العراقيين لأميركا، التي غزت بلدهم واحتلته وأشاعت فيه الفوضى وأسست للخراب في جميع المناحي. وبعد أن كان كلا القسمين يطلق على المتظاهرين، تسميات مشينة منذ بداية الانتفاضة إلى ما قبل أيام، مثل “جوكرية ومخربين وقطاع طرق، وأبناء السفارات”، أصبحوا اليوم يسمونهم متظاهرين وكل منهم يخطب ودهم، مع استمرار تعرض ميليشياتهم على ساحات التظاهرات، وكلا القسمين واهمان في هذا. فالمنتفضون أمام أعينهم العراق والولاء له فقط، وهم يعدون القسمين من أسباب خراب بلادهم وتدميرها.
نحن نسمي أحزاب السلطة قوى شيعية، تجاوزا، لأن المعسكر الشيعي العراقي الحقيقي، هو المعسكر المصطف مع شعبه في ساحات التظاهر والاعتصام والذي يتمسك بالوطنية العراقية ويرفض كل تسمية طائفية.
إن أي مرشح لمنصب رئيس الوزراء سيصطدم بالرفض الشعبي الواسع، كما حصل مع الزرفي الذي جاء تكليفه معاكساً للمعايير والصفات، التي وضعتها ساحات الاحتجاج والاعتصام، ومخالفاً لمعايير مرجعية النجف وقاعدتها القائلة “المجرب لا يجرب”، فضلاً عن أنه شخصية جدلية، وإذا كان شخوص العملية السياسية يتوهمون أنهم سيتغلبون على المطالب الشعبية بكسب الوقت، فإن الوقت سيقف مع المنتفضين ضدهم وستنتصر الإرادة الشعبية تاليا.