بقلم: منقذ داغر
الشرق اليوم- وضع سيناريوهات للمستقبل ممارسة علمية معروفة في جميع العلوم.وهي تختلف عن رجم الغيب بأنها مستقبل مبني على ماضي وحاضر.كثيرون توقعوا وباء فتاك لكن لو توقعوا هذه الكورونا بمثل تداعياتها التي تحصل بها اليوم،لكانت دولة واحدة على الاقل تجنبته او لديها لقاح له.واضح أن الجميع يغرقون وأن عروشاً سياسيةً كبرى وفي كل القارات ستسقط.وهنا حاولتُ أن أجد أستثناءً فلم أجد سوى سوريا وكوريا الشمالية اللتان تدعيان (للان على الاقل) أنهما نظيفتان من هذا الوباء!
حديثي هذا للمؤمنين بالعلم لا المؤامرة، فمن هو (قافل) على فكرة المؤامرة سيصعب أقناعه، أن تفاعل تداعيات كورونا أقتصاديا مع حرب النفط الدائرة هي دليل آخر على أن ماحصل ليس له علاقة بمؤامرة أو تنبؤات البعض ممن باتت ڤيديواتهم تخرج لنا عبر الواتس آب كل ساعة.مايحصل غير مسبوق وماكان لأحد (سوى ابو علي الشيباني ربما) التنبؤ به.
التنبؤ بحصول كساد أقتصادي نتيجة تباطؤ الطلب أو إشباعه أو زيادة الدين العالمي شيء ومايحصل من كساد عالمي نتيجة طرفي المعادلة (العرض والطلب) شيء آخر.لقد ثبت أن العالم بات كجسد واحد تغذيه نفس الدورة الدموية(اقتصاديا على الأقل)وأن من يفكر بمؤامرة كونية أو شن حرب بيولوجية لتدمير أقتصاد دولة ما (سواء الصين أو امريكا) كالتي يتصورها البعض،هو من الغباء(أن وُجد)لأنه بالنتيجة سيدمر بحربه هذا جزء رئيس من هذه الدورة وسيكون أول المتضررين.أعطوني دولة لم تخسر مما يحصل.ولتصديق ما أقول،ترقبوا معي ماسيحصل من كارثة للاقتصاد العالمي بأسره دون استثناء.
لماذا يلجأ الانسان للغيب؟ عندما يعجز عن تفسير مايواجهه والسيطرة عليه! لماذا يلجأ الأنسان للمؤامرة؟ لنفس السبب! عجز الانسان عن تفسير الحاصل والسيطرة عليه لا يعني عدم وجود تفسير علمي لمايواجهه، بل عدم قدرته للآن على اكتشافه.هكذا تطور تفسير الظواهر التي كانت تعد غيبا وباتت علماً معروفاً.فعدم القدرة (حالياً على الأقل لان الأزمة لم تأخذ كل ابعادها بعد) على التفسير لا يعني بالضرورة وجود مؤامرة! هذا لا يعني استبعاد السيناريو تماماً لكنه يعني الدراسة العلمية المتأنية لما يحصل وانتظار كل أبعادها قبل الخروج بأستنتاجات نهائية. أعرف ان من السهل اللجوء للغيب او للمؤامرة لتفسير الظواهر المعقدة لكن تصوروا معي لو أن للانسان بقى على نفس أيمانه بأن المطر هو من الله دون التعمق بكيف يحصل؟! أو أن الأعاصير هي غضب من الله،أو ان سقوط الأتحاد السوڤيتي كان نتيجة مؤامرة أمريكية وليس نتيجة ضعف بنيوي للنظام!!
أخيراً فما هو الأفضل لنا كشعوب نامية غارقة في الجهل،تعزيز فكرة المؤامرة والانشغال بأمريكا التي أخترعت الڤايروس لأسقاط الصين وأيران،أو الصين التي أرادت القضاء على أمريكا،أو الأنشغال بدلاً عن ذلك بإعمال العقول وتفتيح الأذهان بأتقاء وعلاج هذا الوباء من جهة وتداعياته الاقتصادية من جهة أخرى؟! هل نحتاج في هذا الوقت الى المزيد من الزيت على نار خلافاتنا أم المزيد من الماء لأطفاء هذه الخلافات في هذا الوقت العصيب؟!