الرئيسية / الرئيسية / الرئيس يقدم هدية ملغومة للعراقيين

الرئيس يقدم هدية ملغومة للعراقيين

بقلم: د. باهرة الشيخلي

الشرق اليوم- استقبل المتظاهرون العراقيون تكليف عدنان الزرفي بالرفض، وقال تصريح صحافي أصدرته “اللجنة المنظمة لمظاهرات ثورة تشرين” إنها تعلن “رفضها القاطع لمرشح أحزاب المحاصصة الطائفية العميلة للفاسد، عدنان الزرفي، المعروف لأهالي مدينة النجف بفساده الذي أزكم الأنوف وولائه لحزب الدعوة ومشاركته في دورتين انتخابيتين في عضوية البرلمان المزوّر”، معتبرة أن اختيار الرئيس برهم صالح “هذا الفاسد لمنصب رئيس الوزراء استهانة واضحة بعقول العراقيين وتجاهل متعمد لمطالب المعتصمين السلميين الذين أكدوا، مرارا وتكرارا، أن الذين أسهموا في المؤسسات التشريعية والتنفيذية للنظام وكانوا جزءاً من منظومة الفساد، التي نهبت أموال العراق لن يكونوا مقبولين للثوار البررة لشغل منصب رئيس الوزراء”.

والواقع أن تكليف عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة، بعد اعتذار محمد توفيق علاوي كان استمراراً للعبة إضاعة الوقت، التي تمارسها إيران بوساطة أذرعها لكسب الوقت واستمرار الفراغ وحكم اللاّدولة وسيطرة ميليشياتها على الجانب السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي، ومحاولة نهب موازنة العراق لهذه السنة وتكرار سيناريو سنة 2014.

إن الآلية التي جاء بها ترشيح الزرفي هي آلية حكومة المنطقة الخضراء المرفوضة نفسها والتي رشحت قبله محمد علاوي والمُقال عادل عبدالمهدي وغيره، وإن موافقة جهة ورفض أخرى للمرشحين هو تبادل أدوار وفقاً للسيناريو الإيراني المرسوم لهم لاستمرار بقاء الفوضى لأطول وقت ممكن، وتستغل إيران هذه الفوضى لعبور مرحلة الحصار عليها وتحقيق أهدافها السياسية.

لكن الواضح أن إيران لن ترضى بأيّ حكومة لا تعلن ولاءها الواضح لحكم الوليّ الفقيه، وتسخّر إمكانيات العراق كلها لخدمة إيران وتصدير “ثورتها”، في الوقت ذاته ترفض الولايات المتحدة أيّ حكومة عراقية تتسم بأيّ مقدار من القوة لأنها الشريك الثاني لإيران المستفيد من العراق، وما يظهر على السطح من صراع هو صراع مصالح وليس حباً بالعراق، بل من أجل تدميره والاستفادة من ثرواته وما يتيحه من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على المنطقة.

الدليل على ما نقول ما صرّح به مفاوض سياسي في تحالف النصر عندما قال “إن إيران تريد حجر العراق في زاويتها، لينظر إلى مصالحه وإلى العالم من خلال عيونها، وليس عيون أبناء شعبه”.

إن تحالف الفتح وائتلاف دولة القانون وكتلتي العقد الوطني والنهج الوطني، وهي جميعاً موالية لإيران، أصدرت بياناً عبّر عن وجهة النظر الإيرانية التي اعتبرت فيه اختيار برهم صالح للزرفي “تجاوزاً لجميع السياقات الدستورية والأعراف السياسية، من خلال رفضه تكليف مرشح الكتلة الأكبر ابتداء بطريقة غير مبرّرة وإعلانه ذلك رسميا، وذلك ما يقلقنا من أن حامي الدستور يعلن مخالفته الدستورية على الملأ وقيامه، أخيراً، بتكليف مرشح آخر من دون موافقة أغلبية الكتل المعنية بذلك”.

في خضم ذلك تداولت مواقع التواصل الاجتماعي وثيقة وصفتها بـ”المهمة” كان موقع ويكيليكس قد سرّبها، وهي برقية سرية بعث بها السفير الأميركي في العراق كريستوفر هيل إلى وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون ومجموعة عمل العراق في يونيو 2009 وتتعلق بأول لقاء أجراه عدنان الزرفي مع فريق الإعمار الأميركي، بعد توليه منصب محافظ النجف عام 2009.

موجز الوثيقة هو تعهد الزرفي بعدم إجراء تغييرات درامية في المناصب المهمة في النجف خلال الـ60 يوماً الأولى، وأنه سيجتث شبكات المخابرات الإيرانية والسورية من النجف وأنه سيجري إصلاحاً إدارياً في النجف. ويعلق السفير هيل بقوله إن ادعاء الزرفي أنه مرشح التوافق في النجف غير صحيح لأن علاقته سيئة بالمجلس الأعلى وأن التحالف هو الذي أوصله إلى منصب المحافظ.

في تفاصيل الوثيقة يقول السفير هيل إن الزرفي مواطن أميركي وإنه يدين بالفضل لأول منصب له لسلطة الائتلاف المؤقتة عندما عينته محافظاً للنجف عام 2004، وإنه يدين أيضاً بفضل آخر لنوري المالكي، الذي تحالف معه فعيّنه وكيلاً لوزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات.

وصفت صحيفة “مدارات الثورة” الموجهة إلى المتظاهرين تكليف الزرفي بـ”الهدية الملغومة”، وقالت “لم نكن نتوقع أن يُقْدم برهم صالح على ترشيح شخص مؤهل للقيام بهذه المهمة، وفي الوقت ذاته، وهذا هو الأهم أن يكون المرشح مقبولاً من الثوار، الذين يمثلون إرادة جميع العراقيين وتوجهاتهم”، مشيرة بالقول “إنّ توقعنا هذا لم يصدر لأنه يتعلق ببرهم صالح كشخص، بل لأننا قرأنا تاريخه السياسي ونعرف طموحه، الذي لا حدود له وليست له أيّ كوابح مبدئية، وتأكد ذلك خلال مجريات ترشيح علاوي، الذي انتهى إلى فشل ذريع، وهذا ما كنا نتوقعه، ولم نكن ننتظر أن يكون المرشح البديل أفضل من سابقه، لكننا لم نتوقع أن يصل الاستهتار ببرهم صالح والذين يحيطون به، أن يكون المرشح مثالاً للسوء والجهل والجريمة والسقوط، كما هو الزرفي، الذي حُقَّ للعراقيين وخاصة ممّن عرفوا الزّرفي عن قرب، وصفه، أنه هدية برهم صالح الملغومة إلى العراق والعراقيين”.

هنا، نحن ننقل وجهة نظر معارضة ولا نتبناها، لكننا نتفق مع وصفها الزرفي بالهديّة الملغومة، فهو قد اختير خلافاً للإرادة الشعبية العراقية، ما دفع المتظاهرين إلى التلويح بتصعيد حراكهم.

في صفحة على تويتر باسم “المُستشار”، لشخص يصف نفسه بأنه “قريبٌ جداً من مصدر القرار العراقي”، سيناريو لما سيتمّ بعد تسلمّ الزرفي رئاسة الحكومة، ففي الصفحة الأولى سيتم إضعاف دور الحشد الإرهابي، حسب وصف السيناريو، وتصفية قياداته ومن ثم إنهاؤه، وستستمر الضربات للمقرات والمعسكرات التابعة للحشد وتدمير بنيته التحتية ومخازن العتاد والصواريخ والمواصلات، وقد تم تحديد نخبة من الضباط للإعداد لانقلاب عسكري بدعم أميركي بريطاني.

أما الصفحة الثانية، حسب السيناريو، فيتم خلالها إحكام سيطرة القوات الخاصة الأميركية والبريطانية على المنطقة الخضراء وإغلاق جميع المداخل والمخارج وتطويق سلطة الخضراء، ثم إعلان حالة الطوارئ وتسليم السلطة للضباط الانقلابيين، بنحو ديمقراطي، حيث سيعلن الخبر عن طريق القنوات التلفزيونية، ويتم الإعلان عن حكومة انتقالية مؤقتة لا تتجاوز الستة أشهر، تعتقل جميع المسؤولين في الحكومة لحين محاكمتهم في محكمة علنية، ويزعم السيناريو أن التحضير للانتخابات سيتم برعاية الأمم المتحدة.

قد يكون هذا السيناريو من وضع القوى السياسية الشيعية الموالية لإيران لإثبات أن حكومة الزرفي أميركية بامتياز، لكن هذا السيناريو، إذا أحسنّا الظن، سنقول إن واضعه أودع فيه تمنياته.

لكن التوقع الأقرب إلى الواقع هو أن مصير تكليف الزرفي لن يكون بأحسن من مصير تكليف علاوي لأنه تكليف لشخصية مخالفة للمعايير والمواصفات، التي وضعها المتظاهرون، الذين يمثلون الإرادة الشعبية الواسعة للعراقيين.

شاهد أيضاً

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

محمد الرميحي- العربية الشرق اليوم– كعادتها وزارة الخارجية في دولة الإمارات تدعو إلى لقاء” منتدى …