بقلم: فاروق يوسف
الشرق اليوم- فيما تكتفي الولايات المتحدة بالرد على عمليات القصف التي تتعرض لها قواتها الموجودة في العراق، فإن الميليشيات الموالية لإيران التي تنفذ تلك العمليات تصر على أن تضحياتها هي جزء من معركة تحرير العراق من بقايا الاحتلال الأميركي المتمثل بقوات التحالف الموجودة بناء على اتفاق سابق مع الحكومة العراقية. وهو شعار وطني يخفي بين ثناياه الكثير من الحقائق الملغومة.
فتلك الميليشيات التي تُدار من قبل الحرس الثوري الإيراني إنما تتمظهر بصفة الوطنية ليس إلا. أما واجبها الحقيقي فيرتكز على القيام بحماية المصالح الإيرانية والحرص على إدامة الهيمنة الإيرانية على المشهد السياسي برمته، من غير السماح بحدوث انهيارات محتملة هنا أو هناك، يمكنها أن تضعف النظام السياسي القائم في العراق وهو نظام وضع جزءا مهما من إمكانات العراق الاقتصادية في خدمة الاقتصاد الإيراني المحاصر.
في وقت سابق دعا مقتدى الصدر، وهو زعيم ميليشيا كانت حاضنة لكثير من الميليشيات التي انشقت عنها، إلى تشكيل جيش عالمي للمقاومة. كانت الدعوة إيرانية بالتأكيد، وكان القصد منها التخفيف من الضغط الأميركي على حزب الله اللبناني من خلال تنويع الجبهات التي تحارب عليها الولايات المتحدة. ما يجري الآن تحت ذريعة المطالبة بإخراج القوات الأميركية من العراق هو نوع من التنفيذ الفعلي لتلك الدعوة.
ذلك لأنه ليس من المتوقع أن تجبر الميليشيات الإيرانية الولايات المتحدة على سحب قواتها من العراق، ولكن المطلوب أن تبقى تلك القوات رهينة لحالة طوارئ بحيث تبقى في وضع استنفار دائم وهو ما يمكن أن يشكل ضغطا متعبا على القيادة العسكرية الأميركية، قد يدفع في اتجاه إعادة النظر في ذلك الوجود الذي صار مكلفا مقارنة بما يمكن أن يدره من أرباح.
المطلوب إيرانيّا إلهاء الولايات المتحدة من خلال إزعاج قواتها.
ذلك من وجهة نظر النظام الإيراني قد يؤدي إلى واحد من احتمالين. فإما أن تتساهل الولايات المتحدة في تنفيذ العقوبات المفروضة على حزب الله اللبناني الذي يعاني من تداعيات الأزمة المصرفية اللبنانية، وإما أن تبحث الولايات المتحدة عن وسطاء يضعون لها حلولا لتسوية ممكنة مع إيران.
أما العراق فإنه حطب الموقد.
فالعراق لا يملك قراره السياسي، وليس فيه ما يشير إلى وجود سلطة مستقلة، وسيادته على أراضيه صارت موضع شك، أما ثرواته فإنها لم تلعب دورا إيجابيا على مستوى تحسين سبل العيش فيه.
العراق بلد من غير راع. هذا ما كانت الولايات المتحدة قد فرضته عام 2003 وحرصت إيران على أن تلتزم به ما دامت لها القدرة على تحويل ذلك البلد المدمر إلى حقل تجارب.
كان من المتوقع دائما أن يكون العراق ساحة لأيّ حرب محتملة بين الولايات المتحدة وإيران. الطرفان لم يذهبا إلى ذلك الخيار حرصا منهما على إبقاء العراق رهين اللحظة الحرجة التي قد تمتد لعقود. في سياق ذلك التفكير المشترك يمكن النظر إلى العراق باعتباره الهبة المحتملة في إطار أيّ تسوية نهائية بين الطرفين. بمعنى أن يقوم أحدهما بإهداء العراق إلى الآخر.
في النهاية إما أن يكون العراق أميركيا وإما يكون إيرانيا. ذلك يتطلب وقتا طويلا من الانتظار إلى أن تنضج الفكرة.
في ما تبقى من الزمن تستمرُّ العمليات العسكرية التي يدفع ثمنها العراقيون، ويبقى العراق بدولته وشعبه وثرواته مشروعا مؤجلا.
حين اخترعت إيران الحشد الشعبي فإنها ضمنت القدرة على الاستمرار في حوارها المسلح مع الولايات المتحدة، التي وجدت فيه هي الأخرى مناسبة لإعفاء نفسها من أيّ مسؤولية قانونية يمكن أن تقع على عاتقها من جراء ما حدث للعراق.
الحرب بين الولايات المتحدة وإيران تتجسد من خلال أشكال وطرق مختلفة، غير أن الشيء الوحيد الذي لن يتغير هو أن ضحايا تلك الحرب هم العراقيون.