بقلم: إبراهيم الجعفري
الشرق اليوم- المحن في الحياة المعاصرة عادت حالةً عامة لا تخلو منها الإنسانية بمستوى الفرد أو المجتمع فهو وإن بدى عليه في ظاهره الراحة والسعادة لكن الإحاطة بما يشغله في أعماقه يكشف عن وجود معاناة في داخل نفسه قد تصل الى حدّ المحنة من حيث الشدة..
معنى المحنة [يَعِيشُ فِي مِحْنَةٍ: ما يُمْتَحَنُ بِهِ الإِنْسَانُ مِنْ بَلِيَّةٍ أَوْ مُصِيبَةٍ] تكاد لا تخلو حياة الإنسان أيّ إنسان من وجود مشاكل في حياته وبعضها يصل حدّ المحنة وبذلك تكون المحن جزءاً من حياته وما دام الأمر كذلك فليس له الا التفكير بمواجهة المحنة وان يصب اهتمامه في طريقة مواجهتها بدلاً من الاستهلاك في التفكير بحياة بلا محنات أو الهروب منها! يبقى السؤال كيف يواجهها ثم يتغلب عليها؟؟ أولاً وقبل كلّ شيئ التسليم بأنها جزءٌ من حياته ولا إمكان من تصفيرها وصب الجهد من أجل التغلب عليها وإلا فبالصمود بوجهها ومنع الاثار السلبية المترتبة عليها.
المهم معرفة الأسباب التي أدّت اليها هل هي من ذات الانسان أم من الوسط الاجتماعي الذي يحيط به ثمّ هل ممكن معالجة الأسباب أم لا؟ قد تكون المحنة ممّا يمكن معالجتها وما أكثر تلك وقد تكون غير ممكنة العلاج والتفكير فيها يكون استهلاكاً لا مبرر له.
المحن عادةً ما تعبّر عن تراكم عوامل تاريخية لسلوكيات الافراد والمجتمعات عبر التاريخ تتفاعل مع بعضها لتصنع في محصلتها أسوء النتائج ما يتطلب التوقف بدقة وتفصيل عمّا جرى حتى تعالج بجديّة الاسباب التي أدّت لذلك كما لا بد من وضع خطة مفصلة للحل ،يشارك فيها أصحاب التجربة من خيار الشعب ومن الموصوفين بالكفاءة والنزاهة والتضحية.
لا يمكن لمهمة بحجم اعادة بناء البلد وهو بواقع ما تعرّض له من التخريب والفساد من دون بذل جهود استثنائية تسبقها وضع خطة للإصلاح تشمل كافة القطاعات والمؤسسات واختيار خيرة أبناء العراق لتنفيذها والتحلي بالصبر لمواصلة البناء رغم وجود التحديات وتفشّي ظواهر الفساد!
التسليم بقضاء الله الجاري بمخلوقاته يمنح الانسان طاقةً هائلة من الاطمئنان بما يترتب عليها من الحكمة والعدالة بين الناس وهذه العقيدة وما يترتب عليها من مشاعر لا تتعارض مع البذل المطلوب بأقصى درجات الجدية لإنجاز مهمة بحجم بلدٍ يواجه تحدياتٍ كبيرةً لا ينهض بها الا بتوفر امكانات تتناسب مع مستلزمات البناء وعلى أكثر من صعيد.
الابتعاد عن القلق والتحلي بالثقة بالله تعالى وبقدرات هذا الشعب من شأنها أن تمنحه قدرةً بالتصميم والمواصلة على البناء ومواجهة المحن مهما بلغت من الشدة والعدد فالأمم الحية تتغذى على الهموم وتأخذ منها ما استطاعت الى ذلك سبيلاً هذه الأسرار المودعة في رحم المحن أدركتها شعوب العالم وقد صممت على تجاوزها رغم كل الصعاب وخرجت بعدها مظفرةً بتحقيق الأمال.. أما حين تتحلّى بالإيمان وما يترتب عليه من الصبر فتكون ارادتها أقوى وإصرارها أشد وتسليمها لقضاء الله وقدره أثبت “قُلْ لَنْ يُصِيبنَا إلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا” هذا الرصيد الضخم من الاطمئنان يمنح من يتحلّى به قوةً في القرار وثباتاً بالمواقف ما يجعله صامداً أمام أكبر المحن وأشد الابتلاءات.
يفترض ان يتحلّى الانسان وهو بمواجهة المحنة بأقصى درجات القوة بالتخطيط والثبات على الطريق متشبثاً “بالدعاء” إلى الله تعالى ليتوّج به مساعيه العملية وسيجد بالدعاء ما لا يعوّض عنه أيُّ جهدٍ أخر والدعاء مطلوبٌ في كلّ أمرٍ من أمور العبد لأن أثر الدعاء كاشفٌ عن إحساس صاحبه بالفقر الى الله وهو ما ذهب اليه “كارليل” في كتابه الدعاء والذي جعله يخلص بنتيجة مفادها ان المجتمعات التي ينتشر فيها الدعاء تختفي فيها الرذيلة وان الدعاء كاشفٌ عن احساس الانسان بالفقر الى الله.
وبعد فلا طريق للانسان الممتحن الا الدعاء ومواصلة العمل والصبر على ما حلّ به من الابتلاء وهذه العناصر هي التي تتكفل منحه الثبات وعدم الهزيمة في المحن مهما كانت شدتها!