بقلم: حمزة مصطفى
الشرق اليوم- عنوان هذا المقال قرضة حسنة من الصديق حميد قاسم حيث كتب هذه العبارة ذات المدلولات المختلفة “كورونا ورياح ومطر”على صفحته بالفيس بوك. كل سيمياءات اللغة بإحالاتها البنيوية بدء من سوسير الى رولان بارت مرورا بشومسكي تتوفر في هذه المفردات الثلاث التي لو دخلت في سياق جملة شعرية لخضعت لحجر نقدي على غرار الحجر الصحي إنسجاما مع الطوارئ التي لايفرضها سياق اللغة هنا بقدر ماتفرضها متطلبات الوقاية من فايروس لايعترف بالحدود التي فرضتها العولمة.
وبالإحالة الى أغنية كاظم الساهر “برد ورياح ومطر .. يتكتك على الشباك” فإن الحقل الدلالي لها يختلف عن حقل كورونا ورياح ومطر. العلاقة بين البرد والرياح والمطر قصدية بلغة عالم سبيط النيلي لا إعتباطية بلغة سوسير ورهطه من المشتغلين بحقل اللسانيات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل العلاقة بين “كورونا” كمفردة محايدة في اللغة وبين الفايروس القاتل إعتباطية تعارف عليها الأطباء أم قصدية لها مدلول محدد؟ سؤال آخر له علاقة بحقل الطب دلاليا أكثر من حقل اللغة وهو تسمية “كوفيد 19” على ماإصطلح العالم على تسميته كورونا. مفردة كورونا أكثر وقعا ليس على النفس بقدر ماهي أكثر سلاسة وتداولا من كوفيد 19 الذي يبدو غامضا بل ومخيفا أيضا كونه مجردا من أية إحالة الإ في “راجيتات” الأطباء حين يجدون الترياق الذي ينقذ البشرية من هذا الداء الوبيل الذي صنفته منظمة الصحة العالمية بوصفه وباء أو بلغة ذات مدلول مرعب وهي “جائحة”.
إذا عدنا الى أغنية الساهر برد ورياح مطر وتلاعب حميد قاسم بها بنزع مفردة “برد” وإحلال مفردة “كورونا” محلها لتصبح الجملة “كورونا ورياح ومطر” بدلا من “برد ورياح ومطر” فإن الإيقاع اللفظي لايكاد يختلف كثيرا سوى أن وزن البيت عروضيا يختل قليلا زحفا أو إقواء أوما الى ذلك. وبقدر ماتبدو جملة “برد ورياح ومطر” ذات شحنة رومانسية فإن “كورونا ورياح ومطر” تنعدم فيها الفواصل بين الرومانسي والواقعي لتقف الجملة كلها عند الوافد الغريب “كورونا” الذي يحيل الى كل ماله علاقة بالموت, مع أن الموت أحيانا يتماهى بين العاشق والمعشوق لجهة قول الحبيب للحبيب “لايفرقنا الإ الموت”. الأمر يختلف على صعيد اللغة .. هل تبدو كورونا مفردة أم مفهوم طبي يحمل شحنة خوف تجعل المعادلة صفرية سواء لجهة قول الشاعر “من لم يمت بالسيف مات بغيره .. تعددت الأسباب والموت واحد” بدلا من مات بالكورونا مات بغيره, أم لجهة قول المتنبي ” فطعم الموت في أمر حقير .. كطعم الموت في أمر عظيم”. تظل العلاقة ملتبسة طالما الخطر زاحف.
لماذا إذن كورونا ورياح ومطر؟ لأن هناك “تنين” في الوسط. مفردة أخرى دخلت حيز التداول مؤخرا وهي العاصفة التي جلبت الرعب والخوف والتي لم يصلنا منها سوى رياح وأمطار خالفت توقعات الأنواء الجوية فلقد تكتكت برقة على .. شبابيك الوطن.