بقلم: د . جواد الهنداوي
الشرق اليوم- القصف الامريكي على مواقع الحشد الشعبي والقوات الأمنية العراقية وفصائل المقاومة وموقع مطار كربلاء، وهو قيد الإنشاء، بتاريخ الأمس 12/3/2020 ، وبواسطة طائرات حربية وليست مُسيّرة ،لمْ يكْ الأول ولن يكْ الأخير .
رسمياً ، بررّتْ وزارة الدفاع الأمريكية الاعتداء ، و وصفته ” انتقام ” ، و رداً على ما تعرضت اليه القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي في معسكر التاجي من قصف صاروخي أودى بحياة جنود امريكيين وبريطانيين .
لمْ تعلنْ أية جهة عراقية مسؤوليتها عن القصف الذي استهدف القوات الأمريكية في معسكر التاجي ، كما ان السيد رئيس جمهورية العراق ، وفي تصريح له ، ادانَ الاعتداء على معسكر التاجي ، و وصفه ” باعتداء ارهابي ” ، و الظنْ الحَسِنْ لما أرادَ الإشارة اليه ،السيد الرئيس ،في وصفه ” الاعتداء ارهابي ” هو انه مِنْ فعل داعش والجماعات الإرهابية ، والتي تبنتْ قبل أيام من تاريخ الاعتداء على معسكر التاجي ، قتل جنود امريكين بالقرب من محافظة صلاح الدين ، ولم تستطعْ القوات الأمريكية استعادة جثث الجنود المقتولين الاّ بعد مرور ستة ساعات ، وحسب تصريح للسيد ماكغورك ، الممثل السابق للرئيس الامريكي في العراق .
بماذا يختلف هذا الاعتداء عنْ ما سبقه ، وماهي دلالاته ؟
اسمهُ انتقام ولكنه مكتوب و ممنهج ، والقصف الصاروخي على القوات الامريكية في التاجي عجّل في وقوعه . كلُ قدرات عراقية بشرية او فنية غير معروفه او معّرفة لأمريكا او ليست من صنع امريكا هي مستهدفة و هدف عاجل ام آجل للتدمير الاسرائيلي او الامريكي ، حتى و إنْ كانت بريئة من أية علاقة بأيران !
سرعة الرّدْ او الانتقام الامريكي ، وفي اقل من ٢٤ ساعة ،من وقت القصف على القوات الامريكية في التاجي ، يدّلُ على عشوائيتهِ ( عشوائية الرّدْ ) . لا تشاور مع الحكومة العراقية ، و لا إبلاغ مُسبق للحكومة العراقية عن سبب و وقت الانتقام . انتهاك صارخ و متعمد لسيادة العراق ، واستخفاف بالقيادات السياسية و بالشعب العراقي .
الانتقام لم يستثنْ أية قوة مسلحة عراقية ، اعتداء على الجيش و اعتداء على الشرطة و اعتداء على الحشد الشعبي و اعتداء على كتائب حزب الله ، واعتداء على مطار قيد الإنشاء ،من قبل العتبة الحسينية ، ايّ اعتداء على كل ما مَنْ يمتلك لصاروخ او لسلاح او لرمز في العراق ! و قد تكون ملكية المطار للعتبة الحسينية جعلها هدفاً لرمزيتها . ويبدو ان الشركاء الامريكان غضّوا النظر عن الصواريخ والأسلحة التي تمتلكها داعش والجماعات الإرهابية ، في العراق ، وقد تكون هي التي قامت بقصف القوات الامريكية في معسكر التاجي . ويبرر الامريكان و كذلك قوات التحالف ضرورة استمرار وجودهم في العراق بسبب خطر و فاعلية داعش والجماعات الإرهابية المسلحة . ايّ يدعّي الامريكان بانَّ لهم أعداء في العراق ، ليسوا فقط فصائل المقاومة و القريبة من ايران ، و انماّ أيضاً داعش وجماعات مسلحة ارهابية اخرى .
وقعَ الانتقام في مناطق جغرافية حساسّة أمنياً و مُهددّة من قبل داعش واخواتها و قابلة للاختراق ( جرف الصخر او جرف النصر و حزام بغداد ) ، وكأنَّ في الامر إشارة تهديد لامن و استقرار بغداد والمناطق الوسطى ، وتأييد للجماعات الإرهابية ،والتي تتحيّن فرصة إضعاف وتدمير الدفاعات العراقية في هذه المناطق الرخوة أمنياً .
الرّدْ او الانتقام الامريكي لم يكْ متناسباً في حجمه و اثاره مع سببهِ ، و هو القصف الصاروخي على القوات الامريكية في قاعدة التاجي . امريكا استهدفت اكثر من موقع ومعسكر و في مناطق جغرافية متنوعة ، و الامر يدلُ على انَّ هذه المواقع ، والتي لا علاقة لها بالقصف الصاروخي على القوات الامريكية في معسكر التاجي ، هي مواقع مرصودة ومستهدفة وتنتظر عاجلاً او آجلاً ساعة استهدافها . أسلوب الانتقام الامريكي لا يختلف عن أسلوب الانتقام الاسرائيلي والذي تمارسه عصابات اسرائيل ضدّ مقاومة الشعب الفلسطيني .
على العراق ان يدين رسمياً و اممياً هذه الاعتداءات ، و يطالب بوضع حدْ لها ، ولكن ما هو غريب و محُرج و سابقة سياسيّة و دبلوماسية هو أنْ يقوم شريك بأدانة شريك استراتيجي له ،يتصرف عن وعي و عزم واستخفاف بالشريك الآخر و استضعافاً له .