بقلم: أ.د. ضياء واجد المهندس
الجزء الثاني:
انقسام الكتل.. وتفكك الملل
الشرق اليوم- مما لاشك فيه أن عصر الحرب الباردة قد انتهى، وبدأ عصر الحرب الذكية، القائمة على اختراق مجتمع العدو بالتقنيات الذكية للتواصل الاجتماعي، والتفاعل مع وسائل الإعلام المرئية والبصرية والمقروءة الذكية، القادرة على التفاعل مع الانسان والجمهور لتحويله إلى قطيع غنم يقوده حمار.
معركتنا القادمة دون قتال… الضرب الذكي فيها بقوة العقل والروح، لا حاجة للصواريخ والمدافع والبنادق والجنود، ولا تعتمد على بسالة المقاتلين و عقائدية الثوار .. المعركة تبدأ ، وبالفعل بدأت، بتدمير الأخلاق ولجيل من الأطفال تستمر لمدة تتراوح من 15-20 سنة ، تتلخص بالاستهزاء بالدين ورجاله من مراجع و معممين، وإبراز مشايخ فاسدين، و تكريس شعائر وطقوس لا تمت للدين والعقيدة بصلة، غايتها تفريغ الدين من معناه الإيماني والأخلاقي والسلوكي الراقي، إلى مراسيم مستنسخة وتقاليد مستوحاة من الجماعات الوثنية وسلوك المجتمع البدائي وهذا يصرف الناس عن الإيمان الحقيقي … سيغزو التعليم الذكي والعقل المبرمج في العقد القادم ، والذي يدفع الى صرف الطلبة عن التعليم البناء الفعال، لأن النتائج الأولية لهذا المشروع الذي ترعاه شركة (كوكل) العملاقة على زرع شريحة ذكية في رأس الطالب، وما عليه إلا أن يختار البيانات المطلوبة منها، والدراسات مستمرة لزيادة التحميل.. ومن وحي هذا المشروع استمد الفنانون المصريون الفكرة في فيلم (8 كيكا) للفنان محمد سعد … تتضمن حرب الاختراق الذكي على تدمير الحياة الاجتماعية والروابط بين الأفراد عبر الصداقة الافتراضية والزواج الافتراضي والأسرة الافتراضية والاخوة الافتراضية … وصولا الى تخريب القانون وفساده و تمسيخ الاعراف والنظم القبلية والتقاليد والموروثات الشعبية، والنظام المجتمعي بمساعدة عملاء مأجورين، و مراكز مموهة و مغيبة عن الإدراك الحقيقي، تخدم أقطاب الأعداء من حيث لا يشعرون …
كل ما يحدث في المنطقة يمر بالعراق لأنه مفتاح المنطقة (الماستر كارد)، لان المعتقد التوراتي بأن (إسرائيل) ستتدمر على يد العراقيين راسخ في عقول حاخامات وساسة اليهود والصهاينة، والأقطاب العملاقة تتصارع على امتلاك (طريق الحرير) وعقد المواصلات والموانئ، وعقود الشركات الكبرى تتنافس على امتلاك وحلب ما تبقى من النفط والغاز في غضون ربع قرن، وبعدها سيتحول العالم بفعل سلوكه الهمجي تجاه بيئته الذي وهبها الله للبشر وهم فيها مدمرون ، إلى عالم صديق للبيئة، ومواد صديقة للبيئة، وعرسان صديقو للبيئة.
لغاية عام 2014، كان العراق يدار محليا” من ثلاث كتل هم: التحالف الوطني الشيعي، والتوافق السني، و التحالف الكردستاني، وكان عرابو العملية السياسية الرئيسيين ثلاث هم: المرجعية الدينية، وأمريكا، وإيران، أما بقية الدول الإقليمية فهم توابع و ينفذون سياسة أمريكا. بعد ظهور داعش المخيف، تحول المشهد السياسي العراقي إلى كتل (عابرة للطائفية) للتقاتل بين الطائفة الواحدة، فنشأت كتل وتيارات ومجموعة مختلفة عن أخريات من نفس الطائفة والتوجه، إلا أن المصالح بينهم مختلفة. دخل خميس الخنجر العملية السياسية، ليس لأن دعمه لداعش والمجاميع التكفيرية كان كذب وافتراء، بل لأن إيران وقطر اقتربوا سياسيا، وثمرة العلاقة الجديدة السريعة بينهم دخول خميس الخنجر في الكتلة السياسية الأكبر، الذي فيها القيادات الشيعية التي تربت في كنف إيران وحرسها الثوري… ولم تبيض صفحة أحمد الجبوري أبو مازن ليصبح قطب في العملية السياسية، بل لأنه أصبح من المجموعة الإيرانية والمغضوب عليهم أمريكيا.
بعد عام 2018، لم تعد لدينا كتل سياسية طائفية ، بل مجموعة من كتل مكونة من مجموعة أحزاب وساسة تجمعهم وتفرقهم المصالح، يشكلون بيوت سياسية آيلة للسقوط أوهن من بيت العنكبوت، متماسكة بفعل التأثير الخارجي القوي، والخشية من الانفجار الداخلي لضياع الفرصة التي سموها (حكومة الفرصة الاخيرة ).
في السنة القادمة، ستنهار حكومة المحاصصة التي انفردت بها كتلتين، وستتدحرج كتلة الثلج لتسقط حاملة معها كل الكتل السياسية المتهالكة إلى واد سحيق، بعد أن تقف طوابير المعطلين عن العمل في كل الشوارع والميادين، وتمتلئ الساحات والإشارات المرورية بالمتسولين والمحتاجين، وتحاصر دوائر وزارة العمل بمئات الآلاف من الباحثين عن الرعاية الاجتماعية، وتجد الآلاف من عوائل الشهداء المتضررة نفسها في ضيق وعوز، وقادات البلد في خير ونعيم، وسيجد المهجرون والنازحون انفسهم خارج مخيماتهم يطالبون بالحياة المستقرة لا بالمخيمات العابرة، وعندها ستنطلق النقابات والاتحادات والشباب والطلبة لابتلاع الحكومة المغرقة بالمال والسلطة والحمايات، والتي ستضيق بهم الدنيا بما رحبت، ولن يجدوا لهم مخرجا، فيتلاقفهم الغاضبون ويتنازعون على حصتهم في إنزال قصاص الشارع والسكين والحبل بهم.