بقلم: د. باهرة الشيخلي
الشرق اليوم- أجمع الكثير من المحللين والمراقبين السياسيين والكتاب على أن شباب انتفاضة أكتوبر العراقية حققوا نصرا جديدا في إجبار رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي على تقديم اعتذاره عن التكليف.
ولو أن علاوي قدم اعتذاره مبكرا لأصبح رمزا وطنيا، ولكنه غرق في تشكيل كابينته الوزارية معتمدا على قلة قليلة من المستشارين منهم ابنه، بعيدا عن ساحات التظاهر والاعتصام، بل إنه رفض لقاء ممثلي النقابات والاتحادات العراقية والتحاور معهم في شأن تشكيل الوزارة، مما جعل مراقبين لا يصدقون ما جاء في خطاب انسحابه، مساء الأول من الشهر الحالي، من أنه سعى إلى تأليف حكومة مستقلة، وغير محاصصاتية، لأن تشكيلته الوزارية، التي تسربت ضمت وزراء، تفيد وثائق كثيرة أنهم واجهات خلفية لقيادات وكتل شيعية.
ولعلها من المفارقات، أن علاوي ضم إلى كابينته اسم تركمانية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، تعمل سفيرة في دولة أوروبية حاليا، سندس عمر علي، ولكنه سرعان ما شطب اسمها، بعد أن تبين أنها سنية، واستبدلها بشخص تركماني أيضا، يدعى حسن البياتي، ولكنه شيعي، الأمر الذي أثار موجة من السخرية في الأوساط الشعبية، على من يدعّي أنه غير طائفي ولا يؤمن بالمحاصصات.
والواقع أن ظاهرة سقوط المسؤولين تكررت، وهذا السقوط يكاد يشمل معظم مستويات المسؤولية: رؤساء الوزارات والوزراء ورؤساء مجلس النواب، كما شمل، ويشمل، المحافظين والمديرين العامين ووكلاء الوزارات وغيرهم من أصحاب الدرجات الخاصة.
ويقترن سقوط المسؤولين بالفشل والنقد الجارح، كما يقول سياسي عراقي معارض، ويكون السقوط وظيفيا واجتماعيا، في آن واحد.
ومن المؤكد أن ليس جميع الذين شهدنا سقوطهم في المسؤولية، كانوا دون مؤهلات النجاح، غير أن الأمر، الذي يتكتم عليه كثيرون من شخصيات العملية السياسية، كون المشكلة في النظام وليست في الأشخاص الذين يتولون مسؤوليات، غير أن تساقط المسؤولين وتكرار هذا السقوط واستمراره وما يؤدي إليه من سقوط اجتماعي، سبب ابتعاد كفاءات وطنية مهمة ومتميزة واستنكافها عن أي تعاون مع نظام لا يشرّف من يتعاون معه. كما أن كفاءات متميزة سقطت ليس بسبب نقص كفاءتها، بل بسبب طبيعة تكوين النظام والخراب، الذي ينخر فيه، وهذا ما ينبغي على أي طامع في تسنم مسؤولية، في مثل هذه الظروف أن يحسب حسابه.
هناك بديهية عراقية مفادها أن المجموعة التي جاء بها الحاكم الأميركي للعراق بعد سقوط نظام صدام حسين، بول بريمر، هي في الأصل منزوعة القيم ومن يطلع على الشتائم المتبادلة بين عناصرها يدرك أن هؤلاء جيء بهم من قاع العالم السفلي فغالبيتهم حرامية، مذ كانوا موظفين في دوائر الدولة، وغالبيتهم عوقبوا لدواع أخلاقية، وعندما تسلطوا أوصلوا العراق إلى مرحلة اللادولة.
وفي الخارج تعلم هؤلاء التزوير، بل إن رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، مثلا، أصبح يُعرف في الشام بأنه صاحب مدرسة في تزوير الجوازات وتأشيرات الدخول، وكذلك باقر جبر صولاغ، واعترف الكثير منهم بأن زملاءهم عملوا مهربين عندما كانوا في المعارضة لصالحهم لا لصالح القضية التي يدّعون أنهم يجاهدون من أجلها.
أما في السياسة فكان أمام هؤلاء ما يسمى “ميثاق العمل في لندن” والذي كان برنامجا لتفكيك الدولة وتدمير مؤسساتها، وقد نجحت الحكومات المتعاقبة ليس في محق الدولة، وإنما في منع أي بناء أو إصلاح، ومنذ أن جاء مستوطنو المنطقة الخضراء ألغيت خطط التنمية، وأصبح الاقتصاد العراقي مكرسا لخدمة الأحزاب والحشد والمرجعية وإيران.
إن النظام العراقي الحالي صُمم ليكون متقطعا وعاجزا عن امتلاك القدرة على إدارة السياسة العامة، مضافا إلى ذلك عدم امتلاك شخوصه الخبرة في إدارة الدولة نظرا لكون أغلبيتهم لم يمارسوا عمليا، شؤون الحكم، ولك أن تضيف إلى هذا وذاك التدخلات الإقليمية والدولية. ومن هنا فإن الفشل بات حتميا لتفاعل تلك العوامل مع احتساب قوة المكونات السياسية المسلحة، التي تفرض أجندتها المتشابكة مع الأهداف الإيرانية الساعية إلى إبقاء حالة الضعف والسيولة السياسية السائدة، وهو مسلك إيراني يحاول إشغال المنطقة بعيدا عن مجال النظام الإيراني.
ولا حلّ يبدو في الأفق، إلا الحل الذي طرحه الأمين العام للجبهة الوطنية العراقية، وهي تشكيل سياسي معارض، وهو فرض إرادة الانتفاضة والثورة بإسقاط العملية السياسية بالقوة ومنها الانقلاب العسكري وفرض حكومة انتقالية لمدة محددة بعدها يجري تمكين الشعب العراقي من إجراء انتخابات ديمقراطية مبكرة بإشراف لجان محايدة ونزيهة ومراقبة دولية، بعد استبعاد قوى الميليشيات كلها، بنحو جذري.
إن هذا المقترح قد يبدو بعيدا، لكن استمرار الثورة، التي تجاوزت شهرها الرابع، في سلميتها ودعمها من جميع الجهات، قد يبدو هو الحل الأقرب، خصوصا وأن الانتفاضة حققت، من يوم انبثاقها في الأول من أكتوبر الماضي إلى الآن، الكثير من النجاحات، على الرغم من التضحيات التي قدمها شباب العراق، وأثبتت لمن كانوا يدعون أنهم الكتلة الأكبر أن الشعب هو الكتلة الأكبر، وأن على المتسلطين على حكم العراق أن يغادروا ويسلموا مقاليد الأمور إلى الشعب، وإلا فإن مصيرهم لن يكون بأفضل أو أحسن من مصائر الطغاة الآخرين.