الرئيسية / مقالات رأي / رسالة الأربعاء: التعلّق بالمستقبل

رسالة الأربعاء: التعلّق بالمستقبل

بقلم: إبراهيم الجعفري

الشرق اليوم- “ظاهرة التعلّق بالمستقبل” قد تعبّر عن الماضي بكل ما فيه من أخطاء وصعوبات وضياع فرص وينطوي على المسير نحو المستقبل بإرادة التجاوز عن سيئات الماضي وتصميم على العبور للمستقبل بذهنية جديدة وإرادة حديديّة تصنع ما عجزت عنه بالماضي وتتوجه بعناصر الشخصية كلّها نحو التكامل واستثمار الفرص بما يحقق لها التكامل روحياً وفكرياً ونفسياً وأخلاقياً وينعكس تطبيقاً وعملياً على بناء الشخص والمجتمع والدولة.

هذا النوع من التصميم العازم على إحداث الفوارق في بناء الذات وتحقيق التطورات التي تتجاوز اخطاء الماضي وتبلغ أهداف المستقبل معناه أنه سائر في الطريق الصحيح ومما ورد بالحديث، “من كان يومه خيرا من أمسه فهو رابح، ومن كان يومه مثل أمسه فهو مغبون، ومن كان يومه شرّاً من أمسه فهو ملعون”.

المسير نحو المستقبل لا بد أن يتجاوز أخطاءً ويحقق صواباً بتواصل مستمر ليكون مصداقاً لما ورد “وأن تجعل خير أمري آخره، وخير أعمالي خواتيمها، وخير أيامي يوم ألقاك”.. وعقد المقارنة بينما هو عليه الإنسان في يومه مقارناً عمّا كان عليه في أمسه يكشف عن مدى صحة أو سوء سيرته كما يعكس مدى جديته ببناء نفسه ومن يقع تحت طائلة تأثيره.

عندما يكون التعلق بالمستقبل باتجاه بناء الإنسان بتدارك أخطائه والرجوع عنها وتحشيد عوامل الخير والصواب لتبنيّها تكون نظرته نظرة بناء وسعيُه سعيَ جدٍّ أما النظرة الخيالية للمستقبل والحالمة لتحقيق أهدافٍ لا جديّة فيها فهي ليست الا هروباً من واقعه المر ولو كانت بظاهر تصميم على تجاوز خطاً أو إنجاز صواب.. وهو ما يرد عادةً على الالسن “الهروب إلى الأمام”. فالدول لا تُبنى بالشعارات ولا تتقوّم بالادعاءات بل بالجد والمثابرة وتكريس خيرة القابليات ممن عُرفوا بالعطاء والتفاني.

فنّ صناعة المستقبل يستلزم التوفّر على جملة عناصر منها الارادة وحسن النية واستحضار الاخطاء والبحث عن الصواب البديل بجدية وعدم الاستهلاك بالماضي لتكون هذه العناصر وغيرها بوابة الغد المأمول الذي يحقق ما يحلم به الانسان..

ربما تكون الكثير من أمم العالم حَلَمَت في تاريخها ان تصنع مستقبلاً مشرقاً لا تشوبه شوائب الفساد ولا تعوزه لوازم الإنجاز لكن الكثير منها عجزت عن تحقيق ذلك!

فما الذي أوصل ما أوصل أمماً وعاق ما عاق أمماً أخرى!. فالأحلام لوحدها لا تصلح أن تحقق كلّ ما يحلم به أصحابها ما لم يقرن بالعمل ويكابد لأجل تطبيقه وصدق المتنبي وهو يقول:

“ما كل ما يتمنى المرء يدركه ‎ُتَجري الرّياحُ بما لا تَشتهي السَفَن”.

وهو ما يميّز الأحلام المشروعة الواقعية عن غيرها من أحلام اليقظة!!.. التي لا نصيب لها من التحقق غير انها تريح الحالم بها وهي لا تمثّل الا نوعاً من انواع الهروب من واقعه المرّ الذي لا يقوى معه على تجاوزه وصناعة البديل المأمول.

عموم العظماء بالعالم تعرّضوا لأنواع الفشل على أكثر من صعيد مما يميّزهم بالنجاح هو إصرارهم على تحقيق ذلك وعدم استسلامهم للفشل وبذلك يكون التوجه نحو المستقبل عبارة عن تصميم وعزم لتحقيق ما لم يحققوه سابقاً وفعلاً قد وصلوا لما لم يصلوا له سابقاً!! هذا يقال على الصعيد الفردي والصعيد المجتمعي.. فمجتمعات الارتقاء بالعالم كان الخط البياني لطريقها متعرجاً تخللته محطات صعود وهبوط غير أنّ الذي ميّزهم عن غيرهم هو الإصرار على صناعة النجاح رغم طول الطريق وكثرة ما فيه من العقبات والخسائر.

قدرة الأمم على بناء حاضرها وصناعة مستقبلها وصون مصيرها يتوقف على ارادتها بغض النظر عن التحديات وطول الطريق.

شاهد أيضاً

الصين الماسية

الشرق اليوم- في مطلع أكتوبر 1949 أعلن ماو تسي تونغ، تأسيس جمهورية الصين الشعبية، حيث …