بقلم: فاروق يوسف
الشرق اليوم- ضُربت قم التي توصف بالمقدسة، ولا أدري لماذا هي مقدسة، بوباء كورونا وصارت تنافس ووهان الصينية التي بدأ في أحد أسواقها ذلك الوباء.
تباطأت دول عربية في اتخاذ إجراءات وقائية في مواجهة الظاهرة الإيرانية فظهرت علامات المرض المعدي في غير مدينة عربية، وكان كل شيء يشير إلى أن العدوى قدمت من إيران.
أكان ذلك محتما وضروريا؟
لقد تعامل المسؤولون العراقيون على سبيل المثال بطريقة فيها الكثير من المزاح وعدم الاكتراث مع تلك الظاهرة الخطيرة. وأظهروا حماسة عقائدية سدت الطريق أمام العلم والسلوك العملي.
لقد تدهورت الحالة في العراق حتى أن النجف، وهي مدينة مقدسة أيضا، قد تم غلق حدودها من غير أن تعترف الحكومة العراقية بحقيقة ما يحدث هناك. ذلك سلوك مستلهم من السلوك الرسمي الإيراني الذي صار يثير الشكوك لدى الجهات الصحية العالمية.
لا يمكن أن يفهم الطائفيون في العراق أن المسألة لا تتعلق بالعقيدة. فالوباء لا دين له. وإذا ما تعلق الأمر بالسياسة فإن سلوك المسؤولين العراقيين يعد انتحارا معلنا. فالوباء القادم من إيران لا يحمل بين طياته آثارا طائفية ولا علاقة له بالمواقف السياسية المنحازة لنظام الملالي.
الصيغة التي تعامل بموجبها حكام العراق مع كورونا الإيرانية لا تليق بدولة تحترم حياة شعبها. وإذا ما كان الخضوع للنظام الإيراني هو أساس ذلك التعامل مع الظاهرة الخطيرة فإن النتائج الكارثية لا بد أن تؤدي إلى انهيار النظام في العراق.
ذلك ما لا يحتسب له السياسيون العراقيون الموالون لإيران.
سيكون من الصعب فهم سلوك السياسيين العراقيين إلا على أساس أن كورونا القادمة من إيران هي كورونا عقائدية لا تنطوي الإصابة بها على أي ضرر، بل إن الموت بسببها هو نوع من الشهادة المطلوبة.
لقد قرأت في أحد مواقع التواصل الاجتماعي حوارا بين اثنين.
يقول الأول “لا خوف من كورونا على بلد يحميه الحسين”.
يجيبه الثاني “وما رأيك بالإمام الرضا (في إشارة إلى الإمام الثامن لدى الشيعة المدفون في مشهد القريبة من قم) هل يعمل حلاقا؟”.
فكاهة تحمل الكثير من المعاني المأساوية.
أعتقد أن الانحياز الطائفي المريض عبّر عن غبائه المطلق في هذه الأزمة. فلو ضرب الوباء العراق أولا لأحكمت إيران إغلاق حدودها معه خوفا على مواطنيها. ولكن الأتباع لا يملكون حرية أن يقوموا بما يقوم به أسيادهم.
العراق اليوم وقد انتشر الوباء في عدد من مدنه هو ضحية لذلك الغباء الطائفي الذي يزهق أرواح أناس أبرياء في طريق عماه، الذي لا يفرق بين المذهب والوباء، بين العاطفة المجيشة والعلم.
العراق ضحية زمنه الموحش.
فمنذ أن تمكن الفاسدون من ثروات العراق ووضعوها في خدمة المشروع العدواني التوسعي الإيراني صار النظر إلى حياة العراقيين باعتبارها حجر عثرة في طريق إنجاز الهدف الذي حدده الإمام الخميني.
لذلك سيكون نوعا من الواجب الديني أن يتم تيسير دخول كورونا الإيرانية بكل ما تحمله من بركات إلى الأراضي العراقية. فمثلما لإيران شهداؤها سيكون للعراق شهداؤه. قدر مشترك يجمعهما.
ذلك القدر هو من وجهة نظر الأحزاب الحاكمة في العراق، سيثبت العقيدة ويقوي أواصر الصلة مع الجارة إيران التي تم استقبال وبائها كما لو أنه حلوى.
على الجانب الآخر هنالك شعب يرى الحقيقة كما هي. قم المقدسة صدرت إلى النجف المقدسة وباءها المقدس.
معادلة كانت واضحة بالنسبة إلى العراقيين المحتجين على الهيمنة الإيرانية قبل تفشي وباء كورونا. إيران لا تصدّر إلى العراق إلا الموت.
لم يتغير شيء. كورونا الإيرانية تفتك بحياة العراقيين من غير أن تتصدى لها الجهات الصحية الرسمية. فذلك التصدي قد يحمل صاحبه إلى التهلكة لأنه يمارس فعلا محرما “دينيا”.
ما لم ينتبه إليه أحد أن الحكومة العراقية كانت قد أرسلت في أول أيام الأزمة طائرة إلى مدينة ووهان لتجلي ممثلي صفقاتها المليارية هناك. وحين وصلت الطائرة إلى العراق لم يجر أي فحص لركابها.
بالقداسة ومن غيرها، بالحرام ومن غيره، فإن النظام السياسي في العراق مسؤول عن الكارثة التي ستحصد مزيدا من الأرواح في بلد انهار فيه القطاع الصحي وليس هناك ما يشير إلى أنه سيتعافى.