بقلم: حمزة مصطفى
الشرق اليوم- حتى نعود بالوطن معافى لا بدّ أن نسأل أين نحن ذاهبون. نريد وطن معافى كان هو الشعار الأكثر تداولا أثناء تظاهرات تشرين الأول الماضي التي دخلت شهرها الخامس. الشعار نفسه تحول لدى العراقيين جميعا وليس المتظاهرين في الساحات فقط الى هدف أكثر من سام. سؤال الإياب واحد ويعادل بل يتفوق إلى حد بعيد على سؤال الذهاب. سؤال الإياب هدف الجميع بعد أن تجاوز الجميع الانقسام على كل المستويات. وأقصد بذلك الانقسام المجتمعي عرقيا ومذهبيا الذي يراد له دائما أن يكون طائفيا.
أما سؤال الذهاب فمتعدد. هناك سؤال الشكوك وهو أخطر الأسئلة التي تواجهنا جميعا لاسيما من هو فينا معروفا لدى الكثير من الناس لأسباب تتعلق بشهرة كتابية أو بسبب الإطلالة التلفازية التي تحولت إلى هم يستبطن هموم الوطن كلها، ولعل أخطر المفارقات في هذا السؤال هو ما يواجهك به مقدم البرنامج أو النشرة الذي يبدو إنه وصل الى حالة من اليأس والقنوط لهذا السبب أو ذاك. ولم يعد أمامه أسهل من أن يرمي كرة سؤاله ” البريء مرة والموبوء مرات) في ملعب ذهنك المشتت أنت الآخر، مسجلا انتصاره المباغت عليك في لحظة تلفزيونية فارقة تاركا إياك حائرا في الإجابة منتظرا عطف المشاهد. أعني المشاهد المتعطش لمعرفة الإجابة مرة أو الذي ينتظر “جفصة” منك حتى “تطش” تلك “الجفصة” في مواقع التواصل الاجتماعي مثل النار في الهشيم.
وهناك سؤال اليقين وهو الذي غالبا ما يواجهك من مواطن تقف معه “سرة” في فرن الصمون أو عند الكاشير في أحد المولات أو عند حلاقك الذي يجيد كل أنواع التحليل السياسي برأسك دون أن يرف له جفن بدء من سؤاله إياك قبل أسئلة السياسة “تريد تخفيف لو تعديل” وانتهاء بـ “نعيما” الشهيرة ورفضه المراوغ في قبول مبلغ الحلاقة قائلا لك “خليها علينا”.
وهناك سؤال القلق الذي كثيرا ما يواجهك من كل الناس بدء من محيطك القريب الى الناس الأبعدين الذين لا ينتظرون منك أقل من الإجابة عن كل الأسئلة بدء من سؤال تشكيل الحكومة الى الأهداف المبيتة من انتشار فايروس كورونا مرورا بأسئلة الفساد والرشى والكوميشنات وضياع المليارات التي يطالبونك بأن تعرف أين ذهبت. وحين تحاول أن تكون دبلوماسيا مرة أو موضوعيا مرة أخرى أو تتهرب من الإجابة على ما تعده أسئلة افتراضية وهي بدعة لا يؤمن بها الجمهور, فإن السائل ينبري لك في محاضرة طويلة عريضة عن كل أنواع الفساد ومن يتولى توقيع العقود وكيف تدار الوزارات ومن الذي جاء بفلان وطرد علان. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فإن هذا المواطن الواقف في سرة الصمون أو عند الكاشير أو جالسا ينتظر دوره عند الحلاق مستعد أن يلقنك درسا في الأسلوب والأسلوبية في الكتابة أو كيفية تفادي الأسئلة المحرجة في القنوات الفضائية أو من الذي يمكن أن يكون زرع فايروس كورونا في أحد خفافيش مدينة ووهان الصينية وأين هو الترياق الذي سيطرح في الأسواق قريبا وينهي المرض. لكن لن يحصل ذلك قبل أن تعلن إنك لا تجيد شئ سوى البحث عن الصمون أو التسوق في أحد المولات أو حلاقة ما تبقى من شعرك، وقبل أن تقول الصين .. ططي.