الرئيسية / الرئيسية / مقال: الصدريون في ثورة أكتوبر

مقال: الصدريون في ثورة أكتوبر

بقلم: طلال الحريري

الشرق اليوم- أكثر المواضيع المثيرة للجدل والتي يخشى اغلب الكتاب والناشطين الاهتمام بها وتفكيك جدليتها هو موضوع الصدريين، وأدوارهم في التظاهرات، وغاياتهم واهدافهم التي تحركهم بهذا الاتجاه.

بعيدا عن تاريخ جيش المهدي والادوار السياسية والمشاركة في الحكومة من قبل التيار الذي يمثل امتداد لهذا التاريخ.. اريد ان اوضح وبأختصار شديد دور هذه الجماعة في التظاهرات من خلال سرد موضوعي مختصر يليه تعقيب يعتمد على رؤية موضوعية لفك هذا الجدل الذي تحول الى قضية رأي عام:

_تظاهرات 25 يناير/ كانون الثاني 2011: انطلقت التظاهرات كحالة مشابهة وممتدة لأحداث الربيع العربي في تلك الفترة وعلى الرغم من ان التظاهرات لم تصل للمليونية الا ان مايميزها هو اعتمادها على خطاب مدني واعلامي موحد تحت شعار اصلاح النظام وليس اسقاطه على نقيض شعارات الشعوب العربية، والسبب في ذلك هو اتفاقنا كناشطين على ان هذا النظام تجربة جديدة ويمكن تعديله واصلاحة بدلا من هدمه بالكامل.

حاولت حكومة المالكي تفتيت وقمع التظاهرات بأي وسيلة فلم تجد ذريعة لذلك بسبب سلميتها واحتقان الوضع الاقليمي انذاك، وانتشارها في عموم المحافظات العراقية. استمرت التظاهرات وتحولت الى اعتصامات وبسبب الخطف وبرودة المناخ والقتل الذي اتبعته اجهزة الامن وخاصة جهاز الامن الوطني بدأت الاعداد تتقلص لكن التظاهرات مستمرة بدون قمع مباشر حتى منتصف شباط 2011 وفي تلك الفترة امر مقتدى الصدر اتباعه بالمشاركة بالتظاهرات الشعبية كما اسماها، وبعد اسبوع صرح المالكي قائلا ان الخارجين عن القانون يريدون بث الفوضى من جديد( بالاشارة الى الصدريين) هنا تغيرت كل الاحداث وبدأت القوات بكل صنوفها تتقدم الى ان وصلت الاوضاع الى فض التظاهرات بالقوة واحراق الخيم وازالتها من ساحة التحرير. هذه الاحداث تسببت بأستشهاد اكثر من ثلاثين عراقي منهم اصدقاء وكتاب واعلاميين ومن مختلف الشرائح الاجتماعية… ( احداث 25 شباط الدامي).

تظاهرات 29 يوليو/تموز 2015. كانت هذه التظاهرات نتيجة تراكم الوعي الفكري والاجتماعي. لكن اهم اسبابها دخول العراق في عهد الارهاب والفساد وغياب مفهوم ووجود الدولة العراقية وتحولها الى سلطة تسيرها العصابات والمليشيات والاحزاب الفاسدة. في الثلاث جُمع الأولى وخاصة تظاهرات جمعة 21 اب تجاوزت الاعداد المشاركة المليونية وامتدت من ساحة الوثبة الى الفردوس، ومن جسر الجمهورية حتى ساحة الطيران والمناطق المجاورة.. وكانت الشعارات عديدة اهمها محاكمة الفاسدين والذين تسببوا بدخول العراق في قبضة الارهاب، ووضع حد للفساد، وتغيير وزارة العبادي واستبدالها بوزارة تكنوقراط مختصة. ولقد حقتت التظاهرات بضغطها الرهيب عدة مكاسب ومطالب تسببت بإقالات سياسية وتخبط كبير شل الحكومة واسقط رمزية الاحزاب الاسلامية لأول مرة، واحدثت صدمة كبيرة للطبقة السياسية.

ومع دخول التظاهرات بشهرها الثالث تعرضت للعديد من الاحداث الاجتماعية والسياسية والامنية، تخللها فتح ابواب الهجرة وعمليات ممنهجة لتصفية قياداتها الشبابية بوسائل الخطف والقتل والتعذيب،وغيرها من الاحداث الاخرى التي تسببت بإيقاف تمددها الجماهيري، وتقلص نسبة المشاركة فيها. وعلى الرغم من ثبات الجماهير المدنية في ساحة التحرير والحفاظ على تغطيتها واستمراريتها بخطاب جماهيري منتظم على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي فأن هذه الاحداث لم تمنع مقتدى الصدر من توجيه اتباعه مرةً اخرى للمشاركة في التظاهرات والالتزام بمعاييرها الشعبية. بدأ الصدريين يشاركون بأعداد ومجاميع صغيرة لا تتجاوز ساحة الامة والنصب يرفعون بها شعاراتهم الخاصة ويختمون التجمع بخطبة على المنصة ثم ينسحبون. استمرت هذه الاوضاع حتى اذار 2016 عندما تدخل مقتدى الصدر شخصيا بالتظاهرات وبدأ يدعو علانية للتظاهر، واسقاط الحكومة تحت شعار الاصلاح و التكنوقراط الذي هو في الاصل شعار القوى المدنية منذ اندلاع التظاهرات في نهاية تموز 2015 وقبلها في 2011.

كان لتدخل مقتدى مقتدى الصدر اسباب كثيرة، سياسية وحزبية وجماهيرية منها زيارة ممثلي الحزب الشيوعي له ومطالبته بالمشاركة الفعلية بالتظاهرات بوفد رسمي ترأسهُ جاسم الحلفي والذي تبين لاحقا بأن الهدف كان استغلال هذه الاحداث وتوظيفها في الانتخابات المقبلة( انتخابات عام 2018)، والتي تجلت لاحقاً بتحالف سائرون!

كما ان الاهداف والدوافع السياسية كانت كبيرة في ظل غياب وجود الدولة والفراغ السياسي الكبير الذي انتجته تلك الاحداث والاوضاع المنهارة سياسيا واجتماعيا وامنيا.

تسارعت الاحداث ودخل مقتدى الصدر ساحة التحرير وتحولت الخطب من الحنانة الى بغداد وتحول بعض لمدنيين الجدد ممن لاجذور لهم في تظاهرات عام 2011 الى مؤيدين للمصلح الجديد مقتدى الصدر وتصاعدت المواجهات وامتدت التظاهرات الى داخل المنطقة الخضراء تحت انظار رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي. وفي نهاية اذار 2016 قرر الصدر الاعتصام داخل المنطقة الخضراء مطالبا الحكومة بوزارة تكنوقراط، وبعد اكمال اعتصامه في المنطقة الخضراء ( الحمراء كما كان يسميها) انتقل مباشرة الى النجف ثم توجه بطائرته الخاصة الى ايران تاركاً وراءه اتباعه ومؤيديه وانصار الحزب الشيوعي (بعد ان انسحبت القوى المدنية من التظاهرات) وبعض المدنيين الجدد، انتجت هذه الاحداث اوضاعا واتجاهات متشابكة ادت في نهاية المطاف الى دخول المتظاهرين المنطقة الخضراء مرة اخرى في 30 نيسان 2016 بمشاركة جميع القوى والجماهير والتي مهدت الطريق للمليشيات بقمعها بقوة وانهاء التظاهرات بالرصاص الحي في يوم دامي راح ضحيته المئات بين شهيد وجريح.

_تظاهرات البصرة (الوسط، والجنوب)من حزيران يونيو ولغاية منتصف ايلول سبتمبر2018: بعد تجربة فاشلة للحكومة، وانتخابات مزورة،وخدمات معدومة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، واستبداد المليشيات الايرانية التي الحقت الاذى بالبصرة ونهبت مقدراتها، وصادرت كل ثرواتها الطبيعية والبشرية بدأت التظاهرات تندلع وتتوسع حتى شملت معظم محافظات الجنوب والوسط ووصلت الى بغداد وعلى الرغم من الشعارات الخدمية والاصلاحية الا ان التظاهرات تحولت الى مبادئ واهداف وطنية وبدأت تترسخ كثورة شعبية سلمية لكنها اكثر صلابة وقوة من التجارب السابقة. تركنا كل الرؤى كناشطين وتحولت البصرة الى عاصمة لثورة وطنية واعدة مرت بعدة مراحل من التصعيد والمواجهات والقمع. وكان ما يميز حراك البصرة الخطاب المدني والاهداف الوطنية والتنظيم الثوري السلمي. واستطاعة هذه الموجة تأسيس بعد وطني للثورة وغيرت كل الرؤى الجغرافية والسياسية وشارك بها كل ابناء المحافظات ومختلف الشرائح الاجتماعية واستطاعة تحقيق مكاسب سياسية واجتماعية. لقد كانت مشاركة الصدريين معدمة ولا وجود لها في الاشهر الأولى فكيف ستكون نتائج المشاركة في تظاهرات شعبية تريد التغيير الشامل في ظل حصولهم على المركز الاول بالانتخابات، والتفاوض على الكتلة الاكبر وتشكيل الحكومة؟

استمرت التظاهرات شعبية مدنية وطنية حتى تدخلهم بها بشكل مباشر وغير مباشر واستغلال الاحداث لتحقيق مكاسب في المفاوضات وفرض وجهة نظرهم!. وهذا ما قاد بالنهاية الى التسبب بمواجهات واعمال عنف كبيرة اخرجت التظاهرات من سلميتها ومكاسبها الوطنية. ومع مرور الوقت تصاعدت حدة القمع والتصفيات الى ان وصلت الى احداث ايلول الدامية التي راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى على يد المليشيات الايرانية والقوات الموالية لها.

_ثورة اكتوبر/تشرين الاول 2019: ثمثل ثورة اكتوبر خلاصة النضال التاريخي للشعب العراقي الحر، واعظم الثورات عمقاً وفكراً و وعياً. انها بحق ثورة الثورات لما تمتعت به ومازلت تتمتع بعمقها الحضاري والوطني والثقافي. وهي ثاني ثورة في العلم بعد الثورة الفرنسية بصفتها عابرة للدين والقوميات وتحمل رؤية سياسية عظيمة بعثت الفرد من الركام والنسيان الى الصدارة، واصبح هو المحور في التوازنات الاجتماعية والسياسية والثقافية.

كان شعرها الأول ( نُريد وطن) والذي تجلى بأهداف عميقة وجريئة طرحت اسقاط النظام لأول مرة، وطرد الاحزاب، وانهاء حقبة الاسلام السياسي والتبعية الايرانية المظلمة، والوقوف بوجه المشاريع الخارجية وعلى رأسها المشروع الايراني.

حاول مقتدى الصدر منذ البداية الاشتراك بها واستعادة السيناريو نفسه لكن شعارات الثورة واهدافها جعلته يفكر ملياً ويبتعد عنها قدر المستطاع. وبعد الاحداث الدامية التي ترافقت معها منذ بداية شهر اكتوبر وسقوط مئات الشهداء والجرحى على يد المليشيات الارهابية قررت القوى المدنية والشعبية وجميع الاوساط الاجتماعية المشارِكة اختيار يوم 25 اكتوبر موعد انطلاق الثورة وترتيب اهدافها ومطالبها الاستراتيجية ومنهاج عملها المدني والجماهيري والذي تتوج بالعصيان المدني والمشاركة الواسعة التي تخطت المليونية بكل ثقة وقوة. وهنا قرر الصدر مرة اخرى المشاركة في الثورة على الرغم من امتلاكة للحصة الاكبر في حكومة عبد المهدي، ومطالب الثورة التي جعلتهُ يتحمل المسؤولية كحال بقية الاحزاب الفاسدة التي تتقاسم ادارة الدولة والمصالح. وكالعادة ذهب الصدر مسرعا الى ايران متجاوزاً كل المشاعر والمطالب الشعبية التي تقف بالضد من المشروع الايراني وتسعى لأنهاء هذه الوصاية التي تحولت الى استعمار واحتلال عسكري وسياسي وديني! لم تستقبله جماهير النجف بعد عوده من ايران ولم يلتف حولهُ الا اتباعه ومؤيديه! وهناك كان ينبغي عليه قراءة الشارع جيدا قبل القفز في وسط يرفض الاحزاب والاسلام السياسي ورجال الدين لكنه وكالعادة امر اتباعهُ بالمشاركة ودخلوا الى ساحة التحرير مستخدمين وسيلتي الترهيب والتعصب لأخفاء الشعارات التي انطلقت ضده( لامقتدى ولا هادي)، واستعادة سيناريو الاصلاح وهوس المنقذ بصفتها افكار جامدة في عقولهم لا تقبل النظر والتحليل الموضوعي للأحداث والافكار الجديدة ومطالب الشعب بقواه المدنية والاجتماعية والثقافية.

ومنذ 25 اكتوبر/تشرين الاول ولغاية السابع من ديسمبر/كانون الأول 2019 التقى مقتدى الصدر بمعظم السياسيين وقادة المليشيات واجتمع مع سليماني وعاد مرة اخرى الى ايران ليقيم في قم بلا عودة في الوقت الحاظر على الاقل. لكن هذه الاحداث ترافقت مع تجليات خطيرة ادت الى وقوع سلسة من الاعتداءات والقمع الممنهج بعمليات كر وفر في بغداد والمحافظات ( ساحة التحرير، السنك ، الوثبة، النجف، ذي قار) كان اخرها احداث السادس من كانون الأول الدامي الذي راح ضحيته 170 بين شهيد وجريح، ترافق ذلك مع محاولة لأتباعه بالسيطرة على الاوضاع وفرض امر واقع جديد في ساحات التظاهر في بغداد وعموم المحافظات. وهنا انقسم الرأي العام بين اتجاهين اثنين الاول، وهو رأي الاغلبية والذي يرى بأن هذه الاحداث متفق عليها ويراد منها السيطرة على الثورة لتسهيل تفكيكها وانهاء وجودها وفق خطة للحرس الثوري. الثاني يرى بأن الاحداث نتيجة طبيعية لوجود المليشيات الموالية لإيران والتي تعتبر الثورة تهديد مباشر لإيران ومصالحها واحزابها.

بين هذه الاراءوالمعطيات والاحداث تجليات عميقة ورؤى مختلفة جعلت الرأي العام يتشتت في التحليل والنظر لأبعادها سياسيا واجتماعيا، وهنا نقول: ان النظر للتاريخ وقياس نتائجه بهذه الاحداث هو فتاح الشيفرة الذي يجعلنا ندرك دور الصدريين في المرحلة الحالية واللاحقة، ومن خلال ذلك يمكن ان نضع رؤية تحمي قيم الثورة ومنهجيتها واهدافها.

وفي الختام: الصدريين جماعة ليست من جسد واحد فهم ينقسمون الى:

  • الاتباع العقائديون.
  • المؤيدون.
  • العسكريون (مليشيا السرايا تِركة جيش المهدي).
  • سكان المناطق المعدمة والمحرومة من ابسط سبل العيش الذين فرضت عليهم الظروف السياسية والدينية والمناطقية ان يُحسَبوا على هذا التيار.

وهنا لابد من الاشارة بموضوعية وضمير وطني حيث نقول: ان الذين صنفوا بالدرجة الرابعة ( سكان المناطق المعدومة) لا غبار ولا تشكيك بوطنيتهم واخلاصهم وفطرتهم البسيطة، هذه المناطق ضحت منذ عقود بخيرة شبابها في كل معضلة تواجه العراق دولةً وشعباً. شباب هذه المناطق يعتبرون الثورة خلاص موعود ومستعدين للتضحية بأرواحهم، فهم لايحتاجون الى مرشد او عقيدة دينية كي يشاركوا بالثورة وانما واجب فرضته عليهم ظروف الفقر والجوع والموت.

ملاحظة: المقال منشور منذ شهر ديسمبر 2019

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …