الرئيسية / مقالات رأي / رسالة الجمعة: التمرد على الوجود

رسالة الجمعة: التمرد على الوجود

بقلم: إبراهيم الجعفري

الشرق اليوم- جمعة رجبية تبعث على الطاعة العبادية والطاعة التكوينية لتضع الإنسان على جادة الاستقامة وليحقق كلّ رغباته المشروعة من دون حرمان أو طغيان حتى يتسنم موقعه الذي اراده الله له عز وجل.. وليحظى بتجاوب الوجود بكلّ مفرداته ويحلّق في السماء ولو من دون جناح ويغوص في البحار ولو من دون طبع سمكي!!.. لكنه قد يقهر بأضعف وأصغر المخلوقات المجهرية وهي وإن لا ترى بالعين المجردة لكنها كثيراً ما كسرت جبروته وأذلت كبرياءه!

الوجود من حولنا في الزمن الغابر كان يبدو صغيراً انعكاساً لوعي الانسان ومحدودية مداركه فهو يرى النجوم ولا يفهم لغة المسافات بينها أو لغة السنين الضوئية أو سرعة الضوء كما أنه يرى الكثير من ظواهر الصغر في الموجودات دون ان يصل الى عالم المجهريات مثل البكتيريا والڤايروسات!

ثمّ بدأ يرتقي على سلّم الصعود خطوة خطوة ويُنشأ معرفة في فضاء العلم حرفاً حرفاً ويبني صرحاً علمياً لبنةً لبنة كل هذا الوجود وما انكشف منه بمقدار مدارك الانسان يجمعه نسقٌ واحدٌ من الاتقان وحركات متجاوبة من الانسجام.. الشمس بما تفيض على الوجود من طاقة ضوئية وحرارية هائلة والقمر وما يحمل من دلالات حسابية دقيقة وما يرتبط بحركة البحار من المد والجزر .

غير مفردات الموجودات اللامحدودة التي تغمر عالمنا من كل جانب لا يحدّها مكان ولا يفلت من قبضتها انسان وكما اريد للانسان ان يتفاعل بعالم التشريع بطاعة تشريعية لا بد له أن يتعامل مع الوجود “بطاعة تكوينية” ولا مناص له أن يتمرد عليها.. فهو يذعن لقانون الجذب العام وقانون التمدد بالحرارة وقانون المد والجزر بالبحار وهكذا باقي القوانين ولا حيلة له بمخالفتها فهو لم يضع كل هذه القوانين لكنه مرغمٌ على تطييقها وهي نوع من أنواع الطاعة التكوينية لهذا التشريع التكويني..

فالوجود من حولنا كلّي متناسق الأجزاء ويسير بأنساق رائعة منسجمة مع بعضها وتتكامل بوظائفها كتكامل عملية “التركيب الضوئي” في أوراق  الأشجار مع التنفس!!.. بالوقت الذي تأخذ فيه الأشجار الأوكسجين بالتنفس تطرح فيه ثاني أوكسيد الكاربون تعدله عملية التركيب الضوئي اذ يتحول ثاني أوكسيد الكاربون الى أوكسجين بفعل الأشعة فوق البنفسجية وكذا تتكامل الكثير من ظواهر الوجود مع بعضها في عالمنا!!..

“تكامل التكوين” معه “تكامل الوظائف” تنسجم به مفردات الخلق انسجاماً رائعاً  وأي نوع من أنواع الاختلال وفي اي جزء ينعكس سلبيّاً على مفردات الوجود.. وهو ما يشغل علماء البيئة ويثير قلقهم وهو الذي دفعهم لعقد مؤمرات عالمية بين الحين والاخر  لإنقاذ البشرية من أخطار التلوث البيئي والحفاظ عليها!!..

أما ما يربط به “المادي بالمعنوي” فهو  مما أشار له القران الكريم بشكل مباشر “وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاء وَالْأَرْض وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بما كانوا يكسبون” هذا “الشد القلبي الكوني” الذي أشار له الله عز وجل في كتابه الكريم يكشف بوضوح عن هذه الحقيقة في أكثر من أية “وَمَا كَانَ رَبّك لِيُهْلِك الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلهَا مُصْلِحُونَ”.. فقد تكون الْقُرَى  فاسدةً  بمجموعها لكنّ فيها من يحاول الاصلاح مما يجعل الله تبارك وتعالى يرفع عنها “عقاب الهلاك”..

هذه نافذة  من نوافذ النجاة ونوافذ أخرى كنافذة الاعتبار من دروس التاريخ!!.. “لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصهمْ عِبْرَةٌ لِأُولىِ الْأَلْبَابِ ما كانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْء وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”.. التطور الصناعي المدهش في مختلف

المجالات الحياتية يكشف عمّا أودع الله سبحانه في أسرار خلقه كما يكشف في ذات الوقت عمّا أودع في الانسان من قدرات عظيمة لتوظيفها بإعمار الارض ومن عليها..

ولا بد له من تحاشي الاصطدام بحقائق الوجود وثوابت التكوين!!.. وهو ما تجلُى بشكلٍ مرعب بين فترةٍ وأخرى بمظاهر الارتطام على شكل كوارث كونية ببراكين وزلازل وهزّات أرضية وأوبئة مرضية “كالجدري”و”الطاعون” وفي أيامنا هذه في مرض “الكورونا”!!..

في الوقت الذي يريد الله تعالى لعباده اعتماد كافة السبل المادية لبلوغ النتائج وتحقيق الاهداف يؤكد على سنة التوكل عليه وعدم التمرد على طاعته لنيل ذات النتائج.

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …