بقلم: أ. د. ضياء واجد المهندس
الشرق اليوم- كان حديث خبيرة الاستراتيجية العسكرية الاوربية “هادئا و ناضجا”، وهي من أصول عربية مغاربية، و تدعي أن السيدات أفضل وزيرات للدفاع، في قارة أكثر وزراء دفاعها من النساء.
سألتني عن بوادر الجيل الخامس؟ أجبتها أن في العراق لا زلنا في الجيل الرابع، وأن العراقيين يدفعون أعلى أجور للمكالمات، وبأسوأ خدمات إنترنت، ضحكت بعمق، وبضحكة نسوية متقطعة، تكاد تكون “طقطوقة” موسيقية، قالت: أسألك عن الجيل الخامس للحرب؟ قلت لها ضاحكاً: لنعد إلى الجيل الرابع، ونتذاكر!، قالت: “في الجيل الرابع، الأقوياء المستعمرون يزرعون حكومات فاسدة، ديمقراطية أو ليبرالية، علمانية كانت أو دينية، ذات نزعة عسكرية أو مدنية، و يخلقون بيئة لدولة مترهلة ينعدم فيها النمو الاقتصادي و مواكبة الأمم في تقدمها، ويدفعوا الشعب إلى الاستكانة والخضوع، فيعيش الأزمات ويبحث عن فرص العيش في ظل نقص خدمات التعليم والصحة والإسكان والطرق والرعاية الاجتماعية، وتدمير الشباب والكفاءات وتهجير العلماء والخبراء، هذه المرحلة الأولى التي تدفع إلى المرحلة الخطرة وهي : غياب الوعي بالوطنية والقبول بالعمالة الأجنبية وخدمة مصالحة، والابتعاد عن القيم والأخلاق والمقدسات والعرف والعائلة، مع شيوع البطالة وتزايد الجريمة والإباحية والمثلية الجنسية، وانتشار المخدرات زراعة وصناعة وتجارة، ترويجا وتعاطيا وترغيبا”.
في هذه المرحلة تنشئ مافيات للمخدرات والقمار وتجارة البشر وتجارة الاعضاء البشرية وتجارة الأثار وتجارة الأعراض والدعارة والرياضات المنحرفة، وهذه المافيات متغلغلة في المجتمع والدولة، تتسيد الحكومة، و تتمتع بعلاقات وارتباطات سياسية واقتصادية ومالية مع المستعمرين الأقوياء و مخابرات الدول الأجنبية وشبكات التجسس، وتمتد في تأثيرها ليصل إلى اختيار الحكومة، وفريق الدولة الأمني والعسكري والملاك الدبلوماسي.. تشمل المرحلة الثالثة: الدعوة إلى المستعمر للدخول في البلاد والسيطرة على مقدراته والتحكم في استقلاليته، و توفير فرص للحياة والعمل والبقاء، بعد أن تنهار كل مقومات المجتمع والدولة، فلا تبقى للأسرة وشائج ولا للمجتمع قيم، و تسود المشاعية الجنسية والاجتماعية، وتنحصر التجارة و الصيرفة والمال والسلاح بيد شبكة مافيات وعصابات مسلحة ولائها للمستعمر.
قلت لها: هذا ما يسميه الخبراء الأمريكيين بـ استراتيجية (التآكل الذاتي والانهيار البطيء)، لأن الانهيار السريع قد يبقي للمجتمع بعض القيم، وللمدن بعض البنى التحتية ومقومات الإعمار، وللإنسان بعض الإصرار والهمة في العودة للبناء والحفاظ على مقوماته الحضارية ووجوده الانساني.
إن الجيل الرابع هو نسخة من استراتيجية (النخر) و (النقر)، فالنمل الأبيض (الأرضة) أسقط القلاع والقصور الخشبية العملاقة بفعل نخره المحتوى، و سحلية نقار الخشب، هدت (سد مأرب) اليمني التاريخي الشهير.
قلت: هناك دفان يحفر القبور في النجف اسمه (خضر)، اتصل قبل ٧ سنوات بصديق (ابو يسر) ، مبلغاً إياه بأن قبر أبيه قد تهدم بفعل “شفلات” البلدية التي تقوم بتوسيع شارع المقبرة، ذهب (ابو يسر) إلى الدفان وأعطاه نصف مليون دينار، ليبني القبر ويرعاه، ورآه في عيد الأضحى، بعدها بسنة، اتصل الدفان ليبلغ (ابو يسر) أن قبر ابيه تهدم بسبب الأمطار الغزيرة وتجمع المياه لكونه في منطقة منخفضة، ذهب صاحبي وأعطى الدفان نصف مليون دينار ليبني القبر و يعمره و يرعاه، بعدها بسنة، اتصل الدفان بصاحبي وأبلغه بأن (ابو تكتك) دمر القبر لأن القبر على الشارع، ذهب صاحبي وأعطى الدفان نصف مليون دينار، متذمرا، و قائلا للدفان “راح اصرف لك مخصصات إعادة إعمار قبر ابي سنويا، لأني كل سنة أدفع لك نصف مليون دينار، و هذه آخر مبلغ ادفعه لك”.
هذه السنة اتصل الدفان بصاحبي، وبادر صاحبي بالقول إلى الدفان: “حچي خضر ، هل أنا الوحيد الذي دفن أبوه وابتلى بقبره، شنو هو ميت لو مكفخة للشفل والتكتك والمجاري والحرامية”، وقاطعه الدفان: “عيني ابو يسر ، اسمعني، قبل سبع سنوا ، جابوا ميت ليس له أهل، تبرعت الناس بدفنه، و دفناه بجنب أبوك، و من فلش الشفل بعض القبور، المرمرة المكتوب عليها اسم ابوك، وضع نصفها المكسور أحد الدفانين بقبر الميت الفقير، وأنا ظنيت إنه قبر ابوك، و احنه من سبع سنين نعمر بقبر (الميت الفقير) ، وقبر ابوك مهدم” .
قلت: الجيل الخامس، هو دفان القبور، يجد كل الوسائل لابتزازك، الحرب بين أمريكا وإيران ، هي في الحقيقة حرب على دول الخليج العربي والعراق والعرب، فنحن نهتف ضد أمريكا وبعضنا يهتف ضد إيران؛ و الحقيقة نحن من ندفع لغيرنا، ونعمر لغيرنا، في الجيل الخامس الحرب وهمية إعلامية استعراضية، بين قوتين تشتركان في الحصول على الغنيمة من الحماية والسوق و النفوذ من طرف ثالث مندفع و متحمس لتشجيع أحد اطراف النزاع، ودعتها و هي تضحك ضحكة نسوية رقيقة.
تذكرتها اليوم، عندما قلت لها مازحاً، ربما هناك جيل سادس: فيه تذبح الناس بيد حكامها الظلمة تحت ذريعة الخروج عن الوطنية والدين.
لنا وللعراق رب لا تأخذه سنة ولا نوم، رب رحيم، عظيم، حي قيوم.