الرئيسية / مقالات رأي / رسالة الأربعاء: عقل التجربة

رسالة الأربعاء: عقل التجربة

بقلم: إبراهيم الجعفري

الشرق اليوم- تعبير “عقل التجربة” من كلمات أمير البلاغة الامام علي عليه السلام، وهو يقول: “العقل عقلان عقل الطبع وعقل التجربة”، وفي قول له آخر “التجربة عقل ثاني” وهو منطق قرآني في بناء الإنسان “أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ• وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ فَلَيَعْلَمَن اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَن الْكَاذِبِينَ”
فالإنسان بما هو إنسان بطبعه مخلوق عاقل أي يفكر وبشكل تلقائي وبه يتميّز عن سائر مخلوقات الله تعالى فالآيات في القران الكريم التي تشير إلى حقيقة كونه يفكر بطبعه كثيرة وهي منتشرة في مختلف السور الكريمة.. “وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْض وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلّ الثَّمَرَات جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار إنَّ فِي ذَلِك لَآيَات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”.. “وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَة فَقَالَ أَنْبِئُوني بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ”..

وقد تفرّد الإنسان دون باقي مخلوقات الله بهذه الميزة؛ ميزة العقل والتفكّر وعليه ترتب أثر التكليف الذي توجّه للإنسان وحده “حيث لا عقل لا تكليف وحيث لا تكليف لا جزاء”..
وهو وإن يأتيه التكليف بعد سن البلوغ غير أنه يبقى -بالقوة ومن ثمّ بالفعل- المخلوق الوحيد الذي يتميّز بهذه الصفة “حمل المسؤولية”.

لكن “عقل الطبع” بالمبادرة مهما بلغ لا يستغني عن “عقل التجربة” بالإكتساب، فما هو عقل التجربة؟
هو ما يدفع الإنسان إلى اعتماد التجربة في تطوير قدراته الفكرية فبالفكر تتطور التجربة وبالتجربة يتطور الفكر وهو سرّ ارتباط “التنظير بالتطبيق” ليحوز رجل التنظير بميزة التطبيق ورجل التطبيق بميزة التنظير.

تبقى “جدلية العلاقة بينهما” قائمة على قدمٍ وساق.. عقل جدير ينظّر ويؤدي إلى تطبيق كفؤ وتطبيق متين يؤدي لقدرة عالية تنظيرية بالعقل.. من هنا كانت قيمة التجربة بتطوير قدرة العقل وقيمة العقل القوي بإدارة التجربة..

الحياة المعاصرة مظهر العقل بتوعية عقل الطبع وعقل التجربة فلا تتأتى كل التجارب لكل الأمم مما يعني بالضرورة أهمية الاستفادة من تجارب الاخرين.. وهو ما يفسّر سرَّ عبور أصحاب العقول لحواجز الزمان والمكان.. وعلى سبيل المثال إنّ مكتشف نظرية الانعكاس الشرطي هو ابن سينا عام 980م وإنّ مخترع الاسبرين: هو شارل جيرهاردت عام 1853. ومكتشف أشعة X هو وليم رونتجن عام 1895. ومبتكر تقنية أطفال الأنابيب هو باتريك ستابتو عام 1979.

لكن هذه الاسماء لم تعد حكراً على بلدانهم.. فمن الأمثلة المعاصرة “الناڤاگيتر” الموجّه التلقائي لوسائط النقل المختلفة وبكل دقة مما يوفرّ وقتاً وجهداً وأمناً ويراعي مفاجئات الطرق وربما يتطور الى درجة الكشف عن الجرائم المحتملة قبل وقوعها وعن خيارات الطرق لتلافي متاهاتها واختزال الطاقة وعدم الإسراف بها وقد يقوم بتزويد سالكي الطرق قريباً بتعريف ثقافي عن المدن التي يمرّ بها السوّاق وما تمتاز به من عروض مغرية في أسواق البيع والشراء أو ترشيد سياحي للمسافرين.. وكذا تكون باقي المكتشفات والمخترعات التي تلعب دوراً أساسياً بتطوير الحياة الاجتماعية.

التراتبيات التقليدية المتعددة اختلفت عن التراتبية العقلية في تقسيم الناس والأمم فمنحنى التفوّق بينها لا يعكس الفوارق بحجومها السكانية أو بمساحات أراضيها أو بادعاءاتها العنصرية والقبلية بل حان وقت التفاضل بالقيم وإشاعة العدل وانتشال الشعوب المظلومة من ما أحاطها من مآسي وويلات والتطلع لصنع عالمٍ جديد ترفرف فيه رايات الحرية والحب والعدل والعلم ويطوي صفحات الاٍرهاب وانتهاك الحقوق الانسانية ومكافحة أنواع الفقر والفساد.

لقد استغرقت مسيرة الأمم وقتاً طويلاً مقترنةً بالعذابات والمواجع بحثاً عن سرّ السعادة وسعياً للتخلص من أيّ نوع من أنواع الزيف المغلّف بقشور الشعارات الموهومة!! وها هو وقت الحسم يقترب ويؤذن بالوقوع.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …