الرئيسية / الرئيسية / رسالة الاثنين: رصيد المراجعة

رسالة الاثنين: رصيد المراجعة

بقلم: إبراهيم الجعفري

الشرق اليوم- ماذا تعني المراجعة؟ إنها تعني تذكّر الخطأ وتذكّر الصواب وهي تعني النظرة الموضوعية للذات من خارجها والبحث عن نقاط ضعفها وقوتها مع إرادة جادة لتصحيح الخطأ وتثبيت الصواب وحتى بالاستعانة بالأخرين من الأهل والأقرباء والأصدقاء وحتى من الاعداء.. ربّ عدوٍّ صائب في نقده وشجاع في إبداء رأيه.

من هنا كانت عقلية المراجعة لا تستثني أحداً ممن تراجعه حتى لو كان جاهلاً أو عدوّاً.. فهو على سوئه وحتى على حقده لكن قوة ملاحظته لا يمكن إغفالها تماماً كما في حالة المراجعة الطبية للطبيب بغض النظر عن خلفية الطبيب الدينية أو السياسية أو القومية أو الوطنية..

من هنا كانت أهم مقوّمات المراجعة هو احتمالية خطأ الذات وصوابية الآخر أيّاً كان.. وما دام الإنسان دائم المحاسبة لنفسه ودائم البحث عمّن يصححه يجد من حوله عطاءً دائماً لا ينقطع وكلما كان أكثر مراجعةً كان أكثر أخذاً وأكثر جديّةً وأسرع تحسّناً.

لعل عامل الثقة بإمكانية الأخذ من الاخر والتعلم منه مع إمكانية التطبيق الجدي لكل ما يأخذه وليس مجرّد ترديد الكلام أو الاعتراف بالخطأ لأن غياب الجديّة سيجعل ظاهر الشخصية مصطبغ بألوان القوة لكنّ المحتوى الداخلي يبقى كما هو خاوياً عصيّاً على العلاج فالحسم في المراجعة والصرامة في التطبيق والثبات، على ما يأخذه من الاخرين عناصر مهمة في إعادة البناء..

قد لا يكون من السهل على البعض أن يتقبل الحكم على نفسه بانه كان مخطأً ما يدفعه للمكابرة بل التمرّد على أي تصحيح ومن أي طرفٍ كان وما يسهّل تقبل العملية التربوية هو الارتباط بالله تعالى والاستعانة به.

معايير الربح والخسارة المادية لوحدها قد تحول دون تقبل توجيه الاخرين مما يدفعه إلى العناد والمكابرة بينما اللجوء إلى مكارم الاخلاق والقوة والضعف من الناحية المعنوية يجعله جديراً بالمراجعة وقويّاً فيما يأخذ ويعطي!! وكما لا بد له أن يكون قويّاً حاسماً مع نفسه فهو لابد أن يكون قويّاً مع نفس الوسط الاجتماعي الذي يلعب هو الاخر دوراً مهماً في رفد مسيرته التكاملية وما يترتب عليها من نجاح أو فشل، فما أروع صورة الحسم بالمراجعة التي تحلّى بها الحر الرياحي وهو ينتقل من معسكر يزيد إلى معسكر الحسين (ع) بدأ بمراجعة الذات وقد دفعته بقوة تجاه الحسين فيما حاول الوسط الأموي تثبيط عزيمته وجعله على ما كان عليه في صف عمر بن سعد!!  فقد تعالت صيحات الباطل لتثنيه عن التحول تجاه الإمام الحسين (ع) وهم يهتفون والله لو سئلنا من أشجع أهل الكوفة ما عدوناك!! فكان جوابه، أخيّر نفسي بين الجنة والنار هي هذه المراجعة التي تقطع كلّ جذور تأثير الباطل والاتجاه الجاد نحو الحق بلا تردد!! وعي المراجعة وشجاعة الإقدام على ما يترتب عليها من مواقف كفيل بتحقيق ولادة جديدة تتكرر مع كلّ موقف يتطلّب ذلك.

قد لا يكون تجاوز الماضي أمراً سهلاً لا على الصعيد الشخصي ولا على الصعيد الاجتماعي ما لم يتمتع صاحبه بإرادةٍ قوية بل فولاذية.. فمن آفات المراجعة الدوران حول الذات ومحاولة إبقاء كلّ شيء على ما هو عليه ولو بظاهر مراجعة وهنا يلعب المتملّقون أدواراً خطيرة في إبقاء الظالم بما هو عليه بظلمه وجهالته!! لا بد للمراجعة ان تكون مراجعةً رياحية حقّاً تأسّياً بالحر الرياحي بكربلاء وتأسّياً بزهير بن القين انه الصدق في المراجعة والشجاعة في اختيار البديل.. رغم ما مضى من طول وقت على زمن ما قبل الشهادة لكن زمن الحسم عندما حان.. حان معه الانتصار على الذات في ميدانها الداخلي وهو سرّ انتصارها في الميادين الخارجية المتعددة.

شاهد أيضاً

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

العربية- هدى الحسيني الشرق اليوم– يقول أحد السياسيين المخضرمين في بريطانيا، المعروف بدفاعه عن حقوق …