بقلم: إبراهيم الزبيدي
الشرق اليوم- إن الذين يجلسون في مقاعد القيادة في العراق اليوم، ممن يحتكرون السلطة ويحتمون بدولة أجنبية، ليسوا قادة ولا هم يحزنون. جميعهم، واحدا واحدا، ودون أي استثناء، إما مطلوبون للعدالة بجرائم ارتكبوها قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وإما اقترفوها بعد الغزو، بعد أن التقطتهم المخابرات الأميركية من الشوارع والمقاهي والبارات في لندن وطهران ودمشق وعمان ودبي والرياض، وأجلستهم على الكراسي المذهبة. وجعلتهم رؤساء ووزراء ومدراء وسفراء وقادة أحزاب وميليشيات، وهي تعلم علم اليقين بأنهم أسوأ العراقيين وأرخصهم، وأكثرهم فسادا وجبنا وانتهازية واستعدادا للخيانة وبيع أي شيء، حتى الكرامة والشرف والوطنية، لمن يدفع.
تخيّلوا العراق، وقد عاد دولةً لا نغالي في الخيال فنمثلها بالسويد وسويسرا، بل بدولٍ من شقيقاتنا دول العالم الثالث، التي لا تخلو من فساد ولكن بحدود، مثل تركيا قبل أردوغان، وإيران قبل الخميني، ومصر والمغرب وتونس وحتى الجزائر والسودان. دولة مؤسسات وسلطة قانون، جيشُها مسلكي مهني وطني حقيقي وليس جيشا ملوثا بمرتزقة الأحزاب والميليشيات، التي تعمدت تشكيله على مقاس مصالح قادتها الحزبية أو الطائفية أو العنصرية، وضمن حدود مطالب الدول الخارجية التي موّلتها وسلحتها، ووفق شروطها وأوامرها.
تخيّلوا لو كانت أجهزةُ الأمن وطنية ومستقلة إلى حد بعيد، وليست مسيّرة من سفارة حكومة أجنبية، والقضاء مستقلّ يحترم نفسه ويحافظ على حياده وشجاعة قُضاته وعدم رضوخهم لتهديد هذا أو ذاك من قادة أحزاب يأمرونهم فيطيعون، حتى وهم يعلمون بأنهم يخونون الأمانة، التي أقسموا على حملها، ويزوّرون ويحكمون بالباطل، يخافون ولا يستحون.
ولا نذهب بعيدا. فلو كان العراق كما كان على عهد الراحل عبد الرحمن محمد عارف، مثلا، رغم عيوبه ونواقصه، لوجدنا تسعة وتسعين في المئة من الرؤساء والوزراء والمدراء والسفراء وقادة الأحزاب، الذين احتكروا السلطة والمال والسلاح منذ 2003 وحتى اليوم محشورين في السجون مع المجرمين العاديين القتلة واللصوص والمختلسين والخونة المدانين بالجاسوسية والتخابر مع الأجنبي.
خذوا، مثلا، سجل حياة واحد كنوري المالكي، ما قبل 2003 وما بعده، واحسبوا عدد القرارات والصفقات والنشاطات، التي يمكن تبرئته فيها من مخالفة القانون، ومن القتل العمد، وتلفيق الملفات الكاذبة ضد مواطنين أبرياء، بدوافع طائفية خالصة، ومن الاختلاس وتهريب الأموال العراقية العامة المسروقة إلى مصارف طهران وبيروت ولندن ودبي، ناهيك عن ملفات كبرى خطيرة أخرى كلُ واحدة منها لن يكون عقابُها بأقل من الشنق علنا، وعلى شاشات التلفزيون، منها، مثلا، قضية داعش ودورُه في توليدها وتكبيرها واحتلالاتها، وملف جريمة سبايكر، وغيرها مما لا يعد ولا يحصى.
ثم خذوا، مثلا أيضا، المدعو هادي العامري، الذي يكفي للحكم بإعدامه مرتين أنه أولا جند نفسه في خدمة حكومة أجنبية معادية وحارب معها جيش وطنه وساهم في قتل جنوده وضباطه. وثانيا أنه، ومنذ أول عودته من إيران في أعقاب الغزو الأميركي وحتى اليوم، يحمل سلاح إيران ويفعل كل ما من شأنه تسهيل احتلالها وإدامته وتعميقه. وهو مأمورٌ بالانتقام من كل مواطن عراقي شريف قاتل، ذات يوم، دفاعا عن وطنه ومنع نظام الخميني من احتلاله وإذلال شعبه فيما يسمى بحرب الثماني سنوات. يكفي ما فعلته سابقا ولاحقا، ميليشيا بدر التي يقودها من حماقات وفظائع ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، بكل الموازين والمقاييس.
ويكفي مثالا على غياب القانون وغفوة العدالة في العراق الإيراني أن تجدوا واحداً بحجم مقتدى الصدر، الأميّ المتهور المريب، يتولى، عمليا وواقعيا، تقريرَ مصير وطن بأكمله، وشعبا عريقا أصيلا كشعبه، يزخر بالمفكرين والعلماء والخبراء وأصحاب التاريخ العامر بالوطنية والشرف والشجاعة والاستقامة والنزاهة. وهو يأمر ويطاع، يوما مع الرحمن ويوما مع الشيطان، يقتل عمدا وجهارا، ويهدد الحكومة والبرلمان، ولا تطاله يد عدالة ولا سلطة قانون.
أي دولة تلك التي يتجرأ فيها فصيلان من فصائل الحشد الشعبي، المفترض أنه أصبح جزءا من المنظمة الأمنية والدفاعية للدولة العراقية، وهما كتائب حزب الله وحركة النجباء، فيهددان رئيس الدولة بمنعه من دخول بغداد إذا ما التقى بنظيره الأميركي دونالد ترامب في منتدى دافوس الأخير؟ أليس هذا هو الإرهاب بعينه؟
وأي دولة هذه التي يصرح رئيس أركان جيشها المدعو عثمان الغانمي بأن “قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي يمثّلان أعلى رموز البطولة؟ فقد أعلن في كلمة ألقاها بمناسبة مرور 40 يوما على مقتلهما، أن “المهندس كان مثالا للجندي العراقي الأصيل والمطيع بكل معنى الرجولة والتضحية، ورفيق دربه سليماني كان مدافعا عن استقرار وأمن العراق”.
على الموطن العراقي الوطني الحقيقي أن يدقق في سجل كل وزير أو نائب أو مدير أو سفير أو زعيم حزب أو ميليشيا، ارتضى أن يكون جزءا من العملية السياسية الفاسدة، التي حوّلت الوطن إلى زريبة أو خرابة لا تصلح لحياة بشر. وعليه ألا يستثني منهم أحدا، لا شيعيّا ولا سنيّا، لا عربيّا ولا كرديّا، لا مسلما ولا مسيحيّا، فالجريمة هي الجريمة، والخيانة هي الخيانة، أيا كانت دوافعها ومبرراتها وأعذارها.
وتأسيسا على هذا، وبمقاييس الدول الحقيقية، التي تحترم نفسها وشعوبها، نتساءل، كم من متقاسمي القيادة في عراق ما بعد الغزو الأميركي، وفي عراق ما بعد الاحتلال الإيراني، سينجون من قبضة العدالة ومن سلطة القانون؟
أليس هذا كافيا لاعتبار انتفاضة تشرين الشبابية الصابرة المصابرة أمل العراقيين الوحيد لإعادة الوطن إلى أهله من جديد وطنا صالحا لعيشٍ كريم، وقد اغتسل من كل مَن خانَه وعبث بأمنه واختلس ثرواته وباعه للشيطان؟