بقلم: د. باهرة الشيخلي
الشرق اليوم- فقد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، الكثير من وزنه وشعبيته بين العراقيين بدعوته إلى مليونية من أجل إخراج القوات الأميركية في العراق، ودعوته إليها من مدينة قم الإيرانية.
لا يختلف العراقيون مع مقتدى في هذا الهدف أبدا، لولا أنهم شموا من دعوته وقوفاً إلى جانب محتل آخر لبلدهم هو إيران، وهم لا يريدون أن يكون بلدهم ساحة صراع بين إيران والولايات المتحدة.
وبسبب هذه الخطوة التي خطاها الصدر تعرض تياره، الذي كان يوصف بالتيار الشعبي العريض، إلى تصدع وانشقاقات، فقد غادره كثيرون ملتحقين بالمتظاهرين في ساحات الاعتصام في العراق، وانشق عن التيار الشيخ أسعد الناصري، الذي كان خطيب مسجد الكوفة سابقاً، إذ أعلن خلع عمامته والتحاقه بمشروع المتظاهرين، قائلاً في تغريدة “سأخلع العمامة حباً بالعراق والناصرية والثائرين. أنا مع العراقيين، كنت ومازلت وسأبقى. أرجو الاستعجال في تصفيتي لأنني اشتقت إلى الشهداء”.
كثيرون غير الناصري فعلوا ذلك، إما خجلاً من عشائرهم، التي فقدت قرابة 700 من أفرادها صرعى على يد الحكومة وميليشياتها، ومنها سرايا السلام التابعة لمقتدى، وإما لشعورهم بالمواطنة وإحساسهم أن مقتدى يقودهم إلى غايات بعيدة عن الوطن.
الصورة التي كان يحتفظ بها الصدر عندما كانت له قدم في العملية السياسية وقدم مع المتظاهرين، كانت أكثر احتراماً من الصورة التي هو عليها الآن، حيث تعرضت شخصيته للسخرية والتهكم علناً واتهم بخيانة المتظاهرين والغدر بهم، حتى أن تظاهرات محافظة ذي قار ذات الأغلبية الصدرية فيما مضى، هتفت بصوت عال “وصلوها للحنانة مقتدى موش ويانَ” ومعناها لمن لا يعرف اللهجة العراقية، أبلغوا مقتدى الساكن في منطقة الحنانة بمحافظة النجف أنه ليس معنا وأنه وقف ضد رغبتنا.
تحدث كثيرون من التيار الصدري بما يفصح عن شكوكهم في أهداف “مليونية” مقتدى، في السر ومنهم من قالها في العلن، بل إن بعضهم انسحب من أي نشاط يتعلق بالتظاهرة وعاد إلى الالتحاق بالانتفاضة، وبعضهم ظهر في مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي معلناً براءته من التيار الذي انتسب إليه منذ بدايته.
وظهر الانشقاق في التيار الصدري، بالمليونية نفسها وما رُفع فيها من شعارات، وفي انسحاب قسم كبير من المشاركين فيها بعد وقت قصير من بدايتها ومن تشتت بعد ساعتين أو ثلاث ساعات، بل إن بعض هتافاتها كانت ضد هدفها وضد رغبة الصدر. فقد ارتفع هتاف “تتدلل يبن محمد لا أمريكا ولا إيران” في إشارة إلى مقتدى الصدر نفسه، و”تتدلل” كلمة يقولها العراقي مبديا استعداده لتنفيذ أمر، والهتاف بمجمله من التورية التي تسمى في جنوب العراق “حسجة”.
وطبعاً، استعمال كلمة مليونية للتظاهرة التي دعا إليها الصدر مبالغة كبيرة؛ إذ قال أحد أبناء شيوخ العشائر، وكان حاضرا، إن عدد المشاركين كان بحدود 200 ألف معظمهم من ديالى وبلد والمدائن، وأن بعض المشاركين جُلبوا بالقوة والتهديد من قِبل الميليشيات للمشاركة في التظاهر، أو بوعود بالتعيين في دوائر الدولة وهيئة الحشد الشعبي.
ما زاد المتظاهرين يقيناً من وقوف الصدر ضدهم أن المنتسبين إلى التيار الصدري رفعوا خيامهم، بعد انفضاض “المليونية” من ساحات التظاهر، وبدأ شن الهجوم على هذه الساحات لفض الاعتصامات بحرق خيام المعتصمين واستعمال الرصاص الحي من قبل قوات مكافحة الشغب وسرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر، وهو ما سبق أن فعله الصدر عند مجزرة ساحة الوثبة في بغداد عندما أمر جماعته بالانسحاب من الساحة، قبل وقوع المجزرة، مما دفع اللجنة المركزية العليا لتنسيقياتِ احتجاجات العراق إلى إصدار بيان قالت فيه، صراحة، إن الصدر غدر بنا وخان الأحرار، في إشارة إلى المتظاهرين، وأن “تخلي الصدر وخيانته للمتظاهرين سيكون ثمنهما رئاسة الحكومة القادمة، حسب ما وعدته (به) إيران”.
إن البريق الذي كان يتمتع به الصدر وتياره قد انطفأ وأصبح نجمه في أفول، فالكثير من أبناء تياره فقدوا آباءهم وإخوانهم في الهجمات القمعية، التي بدأت ضد المتظاهرين منذ الأول من أكتوبر الماضي، وبداية إعلان مقتدى الصدر وقوفه ضد المتظاهرين كانت بداية الطلاق بينه وبين قطاعات واسعة من الشيعة العراقيين، مما دفع ميليشياته إلى أن تهدد بالاقتصاص من الذين “تجاسروا على شخصية السيد القائد”.