بقلم: د. سامان شالي
الشرق اليوم- إن منطقة الشرق الأوسط تمر بأحداث وتطورات سياسية وعسكرية خطيرة نتيجة الصراع الأمريكي الإيراني، وقد كانت الساحة العراقية خلال الأيام المنصرمة مسرحا لتلك الأحداث والعراق الذى شهد منذ أشهر مظاهرات شعبية سلمية في بغداد والمحافظات الجنوبية ضد السلطة السياسية الحاكمة وأحزابها المتهمة بالفساد والطائفية مطالبين بحقوقهم الشرعية كمواطنين وقد أدت تلك المظاهرات لحد الأن سقوط أكثر من 600 شهيدآ و23 ألف جريحا وقد فشلت الحكومة بحمايتهم من القتلة (بما يسمى بالطرف الثالث). في هذه الظروف الحساسة استغل الحشد الشعبي والمليشيات بمهاجمة المصالح الأمريكية فى العراق حسب التقارير الأمريكية. واخرها الاعتداء الصاروخي على مقر قوات التحالف في محافظة كركوك في معسكر K1 في 27/12/2019 والذي أدى الى مقتل أمريكي مدني كان بمثابة الشرارة الأولى بين الطرفين. وردت الحكومة الأمريكية بقصف مقرات الحشد الشعبي والمليشيات في القائم في 29/12/ 2019 الذي أدى الى سقوط ضحايا وإصابات عديدة. ورد الحشد الشعبى والميليشيات في 2/1/2020 بالهجوم على السفارة الأمريكية في منطقة الخضراء أكثر الأماكن تحصينا في العراق وحرق أحدى بواباتها ورفع أعلام الحشد الشعبي والمليشيات على جدار السفارة. ورد الأمريكان على هذا الإعتداء لأنها إهانة لهيبتها بقتل قائد فيلق الحرس الثوري الإيراني قاسم السليماني ونائب رئيس الحشد الشعبى ابو مهدي المهندس فى 3/1/2020 لأن أمريكا اتهمتهم بالتخطيط وتنفيذ الأمر بالهجوم على السفارة، والجميع كانوا يتوقعون رد فعل شديد وقوي من إيران، لكن الرد الإيراني كان خجولا.
وتحت ضغط الأحزاب الشيعية وإيران مطالبين انعقاد جلسة استثنائية لمجلس النواب العراقي للبت في المطالبة بإخراج قوات التحالف وعلى رأسها القوات الأمريكية. عقد البرلمان العراقي في 5/1/2020 جلسة استثنائية بحضور رئيس الوزراء المستقيل الدكتور عادل عبد المهدى لمناقشة قرار إخراج القوات الاجنبية من العراق. وقد قاطع الأكراد ومعظم السنة وقسم من الشيعة الجلسة لعدم أخذ بوجهة نظرهم بالمخاوف الأمنية والاقتصادية نتيجة طرد هذه القوات.
لقد قدم النواب قائمة بحضور 170 نائبا وهذا يكون كافيا من الناحية القانونية لعقد الجلسة، ولكن تبين من الفيديو ان عددهم لا يتجاوز في أكثر الأحوال 145 نائبا وبهذا لم يكتمل النصاب قانونيا اي 165 نائبا من أصل 329 نائبا.
وقبل أن يبدأ التصويت على القرار قال السيد رئيس البرلمان بأن هذا القرار هو قرار شيعي وليس عراقي وأنكم (النواب الشيعة وهم الغالبية في البرلمان) سوف تتحملون النتائج من أي قرار يتخذ بهذا الخصوص. إذا لماذا يتحمل الاكراد والسنة نتائج هذا القرار تحت ضغط من إيران والأحزاب السياسية الشيعية؟
وخلاصة القرار هو:
- على الحكومة العراقية العمل على إنهاء تواجد أى قوات أجنبية في الاراضي العراقية ومنعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأي سبب كان خلال ( ) وتقدم الدول التي لديها تلك القوات تعهدا بعدم استعمال الإقليم العراقي كمنصة لاستهداف أية دول أخرى.
- على الحكومة تنفيذ هذا القرار من وقت تبليغ هذه الدول.
وأن هذا القرار هو طلبا وليس أمرا للقوات الأجنبية بترك العراق، وفي نفس الوقت رفض المتظاهرون في بغداد والمحافظات الجنوبية هذا القرار و وعدوا بالاستمرار بالثورة الشعبية السلمية حتى الخلاص من الوجود الإيراني في العراق وتشكيل حكومة وطنية لحماية المصالح الوطنية العراقية. بينما اعتبره إقليم كردستان منافيا للتوافق المطلوب بين الكيانات السياسية فى مثل هذه الحالات.
تداعيات هذا القرار:
- أن هذا قرارا وليس قانونا ملزما للحكومة.
- الحكومة العراقية مستقيلة لايجوز لها عقد أو الغاء أي اتفاقية دولية.
- القوات الأجنبية تشمل قوات التحالف الدولي وتركيا وإيران ولايمكن حصر القرار بالقوات الأمريكية تحديدا.
- اذا طبق القرار فسوف يحتاج الى جدول زمني لايقل عن سنة.
- القرار لم يأخذ التداعيات الاقتصادية على العراق والتي سوف تؤدي الى انهيار الاقتصاد العراقي
- القرار لم يأخذ بالإعتبار أن الارهاب في العراق مستمر وعدم قدرة القوات العسكرية والشرطة الاتحادية مواجهته دون مساعدات قوات التحالف الدولي، وسوف نرى خلال هذه السنة زيادة فى العمليات الارهابية مع عدم قدرة العراق السيطرة عليها.
وبالمقابل الولايات الأمريكية المتحدة لديها الخيارات التالية:
- سوف تلجأ الى هيئة الأمم المتحدة لوضع العراق تحت البند السابع وذلك لعدم قدرة حكومته على حماية العراقيين وبهذا سوف نرجع الى المربع الأول وسوف تلغى الرئاسات الثلاثة و يعين حاكما عسكريا لحين عودة الاستقرار وانتزاع السلاح من الميليشيات ووضعها بيد الحكومة والقوات المسلحة.
- إذا فشلت بوضع العراق تحت البند السابع فسوف تضع حصارا اقتصاديا قويا على العراق وتلغى الاستثناءات الممنوحة للعراق من قرارات العقوبات الأمريكية على إيران فيما يتعلق بشراء الكهرباء والغاز من إيران. أن حجم التعامل الاقتصادي بين العراق وإيران يتراوح بين 10-15 بليون دولار أمريكي. أن هذا القرار سوف يضع عقوبات أكثر على إيران وهذا سوف يؤدي الى إنهيار كامل للاقتصاد الإيراني الذي طالما استفادت من الدولار لدعم اقتصادها برغم الحصار الأمريكي عليها.
- تحجز كافة الاموال العراقية في البنوك الأمريكية وتقدر بـ 35.0 مليار دولار وكذلك في البنوك الأجنبية وتوقف أي تعامل مصرفي مع العراق وهذا سوف يؤدي الى إنهيار العملة العراقية. وسوف تحجز أموال كافة السياسيين الفاسدين في الخارج والداخل وإعادة هذه الأموال للحكومة الجديدة بعد تشكيل محكمة لمحاسبة هؤلاء الفاسدين.
- تطالب بتعويضات لبناء القواعد والمنشآت العسكرية، علما إن الاتفاقية تنص على أن هذه القواعد والمنشئات ستكون عائدة للعراق عند رحيلهم. ولكنهم لم يرحلوا بل سوف يطردون وهذا خلاف الاتفاقية.
- احداث ثلاث حكومات كونفدرالية في كردستان والمناطق السنية والأخرى فى المناطق الشيعية والعاصمة بغداد وسوف تدار من قبل هذه الحكومات الكونفدرالية بالتساوي ورئاستها بالتداول.
- في حالة إذا لم تنجح الخيارات السابقة وأرادت أمريكا البقاء في المنطقة لحماية مصالحها فعليها تفعيل الاستفتاء الكردستاني في هيئة الأمم المتحدة و الاعتراف بدولة كردستان وجمع التأييد العالمي للاعتراف بها. وبذلك تستطيع البقاء بعد موافقة حكومة كردستان وعقد اتفاقية أمنية بعيدة الأمد مع الولايات الأمريكية المتحدة.
المرجعية وحكومة إقليم كردستان ودول العالم تطالب من أمريكا وإيران ضبط النفس والاحتكام للدبلوماسية لابعاد المنطقة من حرب مدمرة. أن الخليج لا يتحمل حربا أخرى وبالأخص العراق الذي لم ينعم بالسلام منذ الستينيات.
اليوم العراق أمام خيارين فإما أن يقف مع مصالح الشعب المنتفض بما في ذلك إنتخاب رئيس حكومة انتقالية يترأسها عسكري مستقل يضع مصلحة العراق والعراقيين فوق كل المصالح الحزبية والقومية والدينية والطائفية. وتكون مهامه جمع السلاح بيد الجيش فقط والتحضير لإنتخابات مبكرة وشفافة تحت إشراف كامل للأمم المتحدة لضمان شرعيتها او يستمر في السياسات الخاطئة التي ولدت الواقع الحالي وهو الأمر الذي يؤدي الى تدمير اكثر لمصالح الشعب والوطن.
إن الحل السلمي والديمقراطي هو أفضل الحلول للمنطقة وخاصة للعراق الذي دمرته الحروب، والذي يجب أن يعمل جاهدا لبناء الثقة بين أبناء الشعب العراقي من جهة ومع الحكومة من جهة أخرى وذلك بالالتزام التام بالدستور والإ سوف ينقسم العراق الى ثلاث دول.