الشرق اليوم- شكلت عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ضربة كبيرة للنفوذ الإيراني المتنامي في منطقة الشرق الأوسط عبر دعمه للأذرع والميليشيات الموالية لطهران في العراق وسوريا ولبنان.
وأكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن سليماني كان يعكف على وضع خطط لمهاجمة أميركيين في العراق والشرق الأوسط، وذلك بعد مهاجمة مقر السفارة الأميركية والضربات الصاروخية التي نفذتها ميليشيات موالية لإيران ضد المصالح الأميركية في العراق.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية في بيان “اتخذ الجيش الأميركي قرارا دفاعيا حاسما بقتل قاسم سليماني بتوجيه من الرئيس لحماية الأفراد الأميركيين في الخارج”.
وأضافت “هذه الضربة تهدف إلى ردع أي خطط إيرانية لشن هجمات في المستقبل”، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية مواطنيها ومصالحها في أنحاء العالم.
وأوضح البنتاغون أن سليماني “نسق” هجمات استهدفت قواعد التحالف الدولي في العراق على مدى الشهور القليلة الماضية ووافق على “مهاجمة” السفارة الأميركية في بغداد هذا الأسبوع.
وذكر مسؤولون أميركيون طلبوا عدم ذكر أسمائهم أن سليماني قتل بضربة نُفذت بطائرة مسيرة في بغداد.
وقال مسؤول أميركي إنه من المعتقد أيضا أن أبومهدي المهندس، قائد إحدى الجماعات المسلحة العراقية، قُتل في الضربة استنادا لمعلومات أولية على الرغم من أنه لم يكن الهدف الأساسي للضربة.
وأضاف المسؤول أن وزارة الدفاع الأميركية تدرك أن إيران من الممكن أن ترد وأن مسؤولي الجيش الأميركي مستعدون للدفاع عن أنفسهم. ولم يستبعد المسؤول إرسال أي قوات أو معدات عسكرية إضافية إلى المنطقة.
وقال كريس ميرفي، العضو الديمقراطي بمجلس الشيوخ الأميركي إن سليماني كان “عدوا للولايات المتحدة” لكن قتله قد يعرض المزيد من الأميركيين للخطر.
وكتب على تويتر “أحد أسباب عدم قيامنا على وجه العموم (باغتيال) مسؤولين سياسيين أجانب هو الاعتقاد أن مثل هذا العمل سيزيد ولن يقلل عدد القتلى من الأميركيين… يتعين أن يكون هذا هو سبب قلقنا الحقيقي والملح والعميق الليلة”.
وقالت نيكي هيلي السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة إن موت سليماني “ينبغي أن يلقى إشادة من جميع الساعين للسلام والعدالة”.
والخميس قبل تنفيذ الضربة، قال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر إن هناك مؤشرات على أن إيران أو قوات تدعمها ربما تخطط لمزيد من الهجمات وحذر من أن “اللعبة تغيرت” وأنه من المحتمل أن تتخذ الولايات المتحدة إجراء استباقيا لحماية حياة الأميركيين.
وسليماني هو قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ساعد بلاده على خوض حروب بالوكالة عبر الشرق الأوسط بإلهام مقاتلي الفصائل في الميدان والتفاوض مع القادة السياسيين.
ويمثل مقتله في ضربة جوية أميركية استهدفت موكبه في مطار بغداد نهاية رجل كان يشار إليه بالبنان في بلاده، وتتبعه عن كثب كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
وكان سليماني مسؤولا عن عمليات سرية في الخارج وكثيرا ما كان يشاهد في ميادين القتال وهو يوجه الجماعات الشيعية العراقية في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وقتل إلى جانب القيادي العراقي أبومهدي المهندس. وينظر إلى الرجلين باعتبارهما بطلين في معركة إيران ضد أعدائها وأهال التلفزيون الرسمي عليهما الثناء والمديح بمجرد إعلان مقتلهما.
وعرض التلفزيون لقطات له مع المرشد الإيراني علي خامنئي وفي مناطق الحروب وهو يرتدي الزي العسكري، كما عرضت له لقطات وهو شاب تخرج حديثا في المدرسة الثانوية ويقود وحدة خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.
وسرعان ما صعد نجم سليماني في صفوف الحرس الثوري الإيراني ليصبح قائد فيلق القدس، وهو منصب ساعد من خلاله إيران على تشكيل تحالفات في الشرق الأوسط في وقت تعرضت فيه لضغوط نتيجة العقوبات الأميركية التي أصابت اقتصادها بالشلل.
وصنفت الولايات المتحدة الحرس الثوري منظمة إرهابية أجنبية في 2019، في إطار حملة لممارسة أقصى الضغوط لإجبار إيران على التفاوض بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية وسياستها النووية.
وكان لسليماني رد حاسم في هذا الشأن: أي مفاوضات مع الولايات المتحدة ستكون “استسلاما كاملا”.
وحشد فيلق القدس الدعم للرئيس السوري بشار الأسد عندما بدا على وشك الهزيمة في الحرب الأهلية المستعرة منذ عام 2011، كما ساعد الفصائل المسلحة على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
وأصبح سليماني شخصية محورية في التمدد المطرد لنفوذ إيران في الشرق الأوسط، الأمر الذي وجدت الولايات المتحدة صعوبة في كبح جماحه.
وعين خامنئي سليماني قائدا لفيلق القدس في عام 1998، وهو منصب ظل فيه خلف الكواليس لسنوات، بينما كان يعزز روابط إيران بحزب الله في لبنان وحكومة الأسد والفصائل الشيعية في العراق.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، زادت شهرته في الوقت الذي كان المقاتلون والقياديون في العراق وسوريا ينشرون صورا له في الميدان وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها دوما بلحية مشذبة وشعر مصفف بعناية.
أصبح نفوذ سليماني داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية جليا في 2019 عندما منحه خامنئي ميدالية وسام ذو الفقار، وهو أعلى تكريم عسكري في إيران. وكانت هذه المرة الأولى التي يحصل فيها قائد عسكري على هذه الميدالية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979.
وفي بيان بعد مقتل سليماني، قال خامنئي إن انتقاما عنيفا ينتظر “المجرمين” الذين قتلوه. وأضاف أنه رغم أن مقتل سليمان “يشعرنا بالمرارة” فإنه سيضاعف الحافز لمقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل.
وقال مسؤول عراقي كبير سابق طلب عدم نشر اسمه في مقابلة أجريت عام 2014 “سليماني… لم يكن رجلا يجلس على مكتب. كان يذهب إلى الجبهات لتفقد الجنود ويشهد المعارك”.
وأضاف “لا يسبقه في تسلسل القيادة سوى الزعيم الأعلى. عندما كان يحتاج الأموال كان يحصل عليها وعندما كان يحتاج الذخيرة كان يحصل عليها وعندما كان يحتاج العتاد كان يحصل عليه”.
وكان سليمان مسؤولا أيضا عن عمليات جمع المعلومات والعمليات العسكرية السرية التي نفذها فيلق القدس وفي 2018 تحدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب علنا.
وقال في مقطع فيديو نشر على الإنترنت “أقول لك يا سيد ترامب المقامر..
اعلم أننا قريبون منك في مكان لا يخطر لك أننا فيه”. وأضاف “ستبدأ أنت الحرب لكن نحن من سينهيها”.
المصدر: العرب اللندنية