الرئيسية / الرئيسية / تحليل: “ترويض” إيران رهان وحيد لإدارة ترامب

تحليل: “ترويض” إيران رهان وحيد لإدارة ترامب

بقلم: زهير قصيباتي

الشرق اليوم- الخلاف الأميركي الإسرائيلي الصامت أرجأ مرتين خطة لدى بنيامين نتنياهو لشن ضربات عسكرية يريدها “جراحية” تستهدف ما تردد في إسرائيل أنها مواقع لإنتاج صواريخ في لبنان. يقول مصدر مطلع إن هذا الخلاف ليس مردّه حرص إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تجنيب لبنان ويلات حرب، قد تدفع “حزب الله” على الأرجح إلى توسيع دائرتها لتشمل الساحة السورية ومواقعه فيها والانتشار العسكري الإيراني هناك. الرهان الأميركي على عصا العقوبات التي آلمت طهران والحزب، في ظل شبه إفلاس لبناني، كسب جولتين على نتنياهو الذي كان متحمسا لخلق معادلة جديدة تشمل سوريا ولبنان، وتبديل قواعد الاشتباك مع الحزب، فيما طهران منهمكة بمعركة العقوبات الأميركية التي كانت الانتفاضة الإيرانية الأخيرة أبرز تداعياتها.

واشنطن فضلت عدم الاستسلام لطموحات نتنياهو، لتتفادى توريطها تحت غطاء معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل. استراتيجية ترامب معروفة، ومعركته الأساسية في الداخل، مع جهود الديمقراطيين لعزله في ما يعتبرونه فضيحة “أوكرانيا غيت”.

القرار الأميركي هو ترك الانهيار والزلزال العراقي يتفاعلان، فمع الانتفاضتين تأمل إدارة ترامب أن تسجل انتصارا كبيرا بإذعان النظام الإيراني لشروطها وجره إلى المفاوضات، بعد تقليم أظافره إقليميا. لكن الأكيد أنها معركة طويلة يراهن ترامب على جعل الانتصار فيها أبرز إنجازاته في حملته الانتخابية العام المقبل.

في بيروت السؤال اليوم هل يكون نداء باريس شارة البداية لتفكيك العلاقة بين لبنان والمحور الإيراني؟ بالأحرى لتمزيق مظلة الوصاية على البلد؟

قانون واحد هل يبدد حلم اقتلاع قلاع الفساد وحراسها الذين باعوا العراق ليستثمروا في جيوبهم وجيوشهم؟ هل ينكفئ الثوار بمجرد استرضائهم بقانون انتخابات، الطريق إلى تنفيذه مزروعة بألغام الميليشيات “الوطنية” والعميلة؟

العشرات من الأسئلة تستنسخ ذاتها في حرب استقلال يخوضها اللبنانيون والعراقيون على خارطة تغنت إيران بجعلها الخط الأمامي لمنازلة “الأعداء”. وليس اللغز هنا أن ندرك هوية هؤلاء ولا كم دفع العراقيون واللبنانيون من دمائهم، فيما كانت طهران توسع خارطة هلالها وتنصّب لحراسته طبقة من المرتشين بالمال والسلطة.

هي معركة حياة أو موت للمنتفضين في لبنان والعراق، قسوتها أنها بالمثل معركة مصير للنظام الإيراني، ليس فقط إقليميا بل كذلك في الداخل، وكل “تنازل” في ساحة سيستتبع تنازلات في الساحات الرديفة. كلما تجددت شعلة الانتفاضة في إيران باتت مسافات انتفاضتيْ اللبنانيين والعراقيين أقصر.

ومرة أخرى، ورغم كل التضحيات من بغداد إلى بيروت، يدرك الجميع أنه ليس سهلا وضع نهاية لعصر ابتذال السياسة وتقزيم دول إلى كيانات ترانزيت يحميها لصوص يلتحفون شعارات العفة، التي تتبدل وفق الحاجة، وتتبدل معها طموحات الهيمنة المجنونة، لتختار تارة طريق القدس، وأخرى جنوب لبنان، وثالثة خط الهلال إلى موطئ قدم على البحر المتوسط.

ليس يسيرا توقع انتصار الانتفاضة في شهرين أو ثلاثة أو ستة. لم يخمد “الحرس الثوري” نارها الكامنة تحت الرماد في إيران، ولا اطمأن الشباب العراقي إلى أن دماء 500 شهيد كافية ثمنا للحرية والكرامة واستبدال الدولة العادلة بدولة الممر وذل الوصاية. في أول اختبار لم يصمد البرلمان العراقي. ذهنية الحصص قاومت تمرير قانون جديد للانتخابات، فطارت جلسة النواب.

لم يكن متوقعا للبنانيين أن تمارس دول الدعم دور الساحر في باريس فتنتشلهم من فكي الجوع بعدما أمعن الساسة وتحالف السلطة والمال في إذلالهم ولم يتركوا شيئا لهم من حقوق لطالما تغنوا بها فرادة بين لبنان ومحيطه العربي. العصر الإيراني كان أقوى وجردهم من مقومات الحياة في زمن سموه الصمود أمام أطماع إسرائيل.

الصمود مرير مع بطون خاوية في زمن تقنين الطعام والمياه والكهرباء والأحلام.

ولعل المنتفضين وحدهم لم تصدمهم لغة الإنذار التي استخدمتها فرنسا بعد مؤتمر الدعم المشروط، وهي لغة تتعاطف مع مطالب اللبنانيين وتدين عمليا جشع المسؤولين الذين نصحتهم باريس بتبديل أولوياتهم من المصالح الجشعة، إلى مقتضيات إنقاذ بلد ودولة في العناية الفائقة.

المعركة طويلة بل ما زالت في بداياتها. لا الانتفاضة في لبنان ولا توأمها في العراق ككل ثورة أو أي ثورة.

في المنطقة الخضراء في بغداد يجول قاسم سليماني، يراقب المنتفضين من خلف أسوارها ويسمع شعاراتهم قبل إعطائه السياسيين والتكتلات والتحالفات كلمة السر الإيرانية، ففي العراق لا يمكن لطهران لعب ورقة التشيع السياسي، والذين أحرقوا القنصلية الإيرانية شيعة انتفضوا على عهد الوصاية الذي بدل الوجوه مرات في المنطقة الخضراء، وفي كل مرة تتمدد قائمة الاستزلام والمنتفعين، ويتضاعف الفقراء.

والحال أن أحدا من المنتفضين في شوارع بغداد وكربلاء والنجف والبصرة والناصرية لم تفاجئه خلافات الكتل في البرلمان والتي كانت عادة من ضرورات الحياة السياسية منذ تكرس نظام المحاصصة. الأهم أن مخاض قانون الانتخاب الذي تريده الانتفاضة عادلا، قد يستغرق شهورا.

والمهم أيضا أن ورطة الوصيّ الإيراني لا تقل وطأة عن مأزق الطبقة السياسية التي اعتادت أن تبلغها وجهة البوصلة، لتتحرك. واليوم تواجه هذه الطبقة مصيرها، فلم يعد الهاجس من ينتزع حصّة أكبر في الحكومة، الهاجس أن الجميع دخل مرحلة الرعب، فكل تنازل سيفرض تنازلا آخر، وكلّ من أركان تلك الطبقة واثق بأن المخرج الوحيد المتاح هو “الاستسلام” لبرنامج الانتفاضة، أي الانتحار السياسي ببطء، فيما البديل هو المزيد من الرضوخ للإرادة الإيرانية، أي اقتياد العراق إلى حروب أهلية طاحنة.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …