بقلم: فاروق يوسف
الشرق اليوم– ليس من المتوقع أن يستسلم النظام الطائفي القائم في العراق بمجرد ارتكاب مجازر في حق متظاهرين عزّل خرجوا إلى الشارع احتجاجا على ما انتهوا إليه من أوضاع معيشية مزرية بسبب سياسات ذلك النظام القائمة على تغليب الفساد على المصلحة الوطنية.
مَن سبق له وأن تعرف على بنية ذلك النظام الهزيلة يدرك، جيدا، أن عناصره مطمئنة إلى استمرارها في الحكم إلى ما لا نهاية بفعل حماية أميركية – إيرانية، مباشرة وغير مباشرة، سبق لها أن أفرغت العراق من محتواه الوطني، ووضعته على طريق الانزلاق إلى مستنقع الطائفية التي هي من وجهة نظر الطرفين لم تعد سياسية، بل اخترقت تاريخ العيش المشترك لتتحكم في قدرة المجتمع العراقي على تسوية أحواله.
غير أن الشعارات التي رفعها المحتجون أكدت أن جزءا من الخيال الأجنبي “الإيراني-الأميركي” وما لحق به من خيال محلي لم يكن قد أقيم على أسس صحيحة، وأن العراقيين الشيعة الذين أُوهموا بأن الحكم صار بيدهم يشكلون الجزء الأكبر من الفئة المحرومة التي تزداد فقرا بسبب غياب المشروع الوطني الجامع.
لقد كشف نظام المحاصصة عن حقيقة كونه نظاما لتقاسم الثروات بين الأحزاب والميليشيات التي نزحت بالعراق إلى مواقع طائفية، هي واجهات يتستّر خلفها الفاسدون من اللصوص وقطاع الطرق والمزوّرون وأرباب السوابق وخدم الأجنبي من التابعين والموالين والعملاء.
دفعت تلك الحقيقة بالشباب الذين لم يعرفوا نظاما سياسيا سوى نظام المحاصصة الطائفية بحكم أعمارهم إلى رفض العيش في ظل ذلك النظام الذي لا يقيم اعتبارا لإنسانيتهم، كونهم مواطنين يجب أن تسود بينهم قيم العدالة الاجتماعية بما فيها التوزيع العادل للثروات. رفض الشباب القبول باستمرار نظام يقوم على التمييز.
لقد اكتشفوا أن الصبر الذي مارسه آباؤهم في مواجهة الفساد في انتظار لحظة فرج تأتي من عالم الغيب ليس له معنى، ولا يمكن أن يقود إلى نتيجة يمكن التعويل عليها. فالفاسدون أقاموا دولتهم المحصنة داخل الدولة العراقية المهلهلة والمهترئة والرثة وهو ما ساعدهم على الاستيلاء على ثروات الشعب العراقي وإحالتها إلى حساباتهم الشخصية خارج العراق تاركين أغلبية الشعب العراقي تعيش في حالة من الفقر والفاقة والعوز والجهل والمرض جعلت العراق يبدو كما لو أنه واحدا من أكثر البلدان فقرا.
ما من جهة يمكنها أن تدلّك إلى الصورة الرثة التي انتهى إليها العراق مثلما يفعل الشباب الثائر. فهم الضحية المباشرة لذلك النظام القائم على التمييز بين عراقي وآخر حسب انتمائه الحزبي وولائه وموقفه الوطني، حيث يتمتع الموالون لإيران والولي الفقيه بالامتيازات التي يُحرم منها المؤمنون بالعراق وطنا حرا ومستقلا.
وما تعرض له الشباب من عمليات قتل مقصود هو جزء من مخطط النظام لإحكام سيطرة دولة الفاسدين على الدولة العراقية. والدليل على ذلك أن كل وعود الإصلاح التي قدمها رئيس الوزراء الذي تمت إقالته لم تكن سوى كلام خال من المحتوى. فالرجل كان يكذب، لأن الدستور لا يسمح له بإجراء التغييرات التي يطالب بها المحتجون.
ذلك ما دفع المحتجون إلى رفع سقف مطالبهم فصاروا يطالبون برحيل النظام الطائفي كله، كونه يشكل العقبة التي تقف دون قيام دولة حقيقية. وهو مطلب لن تُنصت إليه الأحزاب التي ترعى ذلك النظام وتستفيد من بقائه.
لذلك أغمضت الأحزاب عيونها عما يجري على أرض الواقع بالرغم من أنها اضطرت إلى إخلاء مقراتها في المحافظات المنتفضة، وصارت تطلق الشائعات عن شخصيات مقترحة لتحل محل عادل عبدالمهدي الذي يجب أن يغادر منصبه بعد أن ارتكب مجزرتين في الناصرية والنجف.
من وجهة نظر تلك الأحزاب فإن عار القتل سيرحل مع رحيل عبدالمهدي إلى فرنسا، وطنه البديل. تلك وجهة نظر وضيعة لا يمكن أن تتسق مع مستوى الوعي السياسي الذي عبر عنه المحتجون في شعاراتهم وسلوكهم.
لقد صار رحيل الطبقة السياسية هو المطلب الرئيس بالنسبة للمحتجين. لن ينتهي الفساد من وجهة نظرهم إلا بإسقاط النظام كله ونهاية زمن الأحزاب.