الشرق اليوم- تبدو الحكومة العراقية عاجزة عن وقف الاحتجاجات، بعد مقتل أكثر من 100 شخص بعد اندلاع التظاهرات التي تعبر عن الإحباط الاقتصادي والسياسي في البلاد.
الشيعة الذين سيحيون أربعينية الحسين بن علي، سيندبون أيضا مقتل 110 شخصا، كلهم شيعة، قتلوا في التظاهرات الأخيرة، وجاء هذا رغم أن الحكومة فرضت حظرا للتجول، وأغلقت الإنترنت، واعتقلت المئات، إلا أن الكثير من العراقيين يقولون إنهم بعد سيرهم نحو كربلاء، التي تبعد 105 كيلومترات عن بغداد سيواصلون مواجهة الحكومة.
فبالرغم من أن الحكومة العراقية واجهت في السنوات الماضية انتفاضات في مناطق السنة، ومطالب انفصالية في المناطق الكردية، إلا أن التظاهرات في الجنوب، قلب الوجود الشيعي، قد تكون أعظم تحد لها، فما بدأ تظاهرات صغيرة للعاطلين عن العمل والباعة المتجولين كبر وتحول إلى احتجاجات ضخمة، واشتكوا، كما في الماضي، من قلة الوظائف، وسوء الخدمات والفساد المتفشي.
العراق شهد احتجاجات عام 2016، عندما هاجم الآلاف المنطقة الخضراء في بغداد، مطالبين بالإصلاح الاقتصادي والسياسي، لكن لم يحدث أي تغير، رغم زيادة موارد النفط والأمن الاجتماعي النسبي بعد سنوات من الحرب الأهلية، فلم تكن الحكومة قادرة على مواجهة معدلات الفقر العالية، أو التعامل مع زيادة البطالة بين الشباب التي تصل إلى 25%، فيما لا تزال المناطق التي دمرتها الحرب على حالها، في المقابل قام عادل عبد المهدي في الأيام القليلة الماضية بالكشف عن عدد من الإجراءات، مثل توزيع الأراضي، وزيادة الضمان الاجتماعي، وتعهد بمكافحة الفساد ومعاقبة المسؤولين عن العنف، إلا ان قلة من العراقيين يصدقون وعوده.
المشكلة، في جزء منها، هي تصميم الحكومة، فبعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003، أرادت أمريكا منع ظهور رجل قوي في العراق، إلا أن النظام الجديد سمح للأحزاب الطائفية والعرقية بالسيطرة على البلد، التي تقوم هذه بالحصول على الوظائف وتوزيعها على الموالين لها، وتتعامل مع الوزارات كآلات صراف آلي، ورئيس الوزراء نفسه مدين بوظيفته للحزب الذي عينه، ولهذا فهو ليس في وضع يسمح له بمواجهة زملائه.
الإحباط الاقتصادي والسياسي، هو في قلب المطالب للمحتجين، لكن الغضب موجه ضد إيران، التي ينظر إليها على أنها تتمتع بنفوذ قوي على الحكومة، فعزل الجنرال عبد الوهاب الساعدي، الجنرال المشهور، أدى إلى خروج عدد من أبناء عشيرته في الجنوب، الذين اعتقدوا أنه عزل بسبب محاولاته مواجهة الفساد، خاصة بين المليشيات الشيعية التي تحظى بدعم من إيران، ويعتقد أن بعض هذه الجماعات تقوم بقمع المتظاهرين، وانتشرت هتافات (إيران برا)، فيما رفع بعض المتظاهرين صور الساعدي.
من جهتها، لا تقوم أمريكا إلا بجهد قليل لمواجهة التأثير الإيراني، وقررت الخارجية الأمريكية إجلاء مئات من دبلوماسييها العاملين في العراق في أيار/ مايو، وذلك بعد تلقيها معلومات استخباراتية عن هجمات محتملة من إيران أو وكلائها لضرب مصالح أمريكية في المنطقة، وزادت من عملية الإجلاء بعد ضربات على موقع تستخدمه شركات النفط الدولية والقواعد العسكرية الأمريكية، التي يعمل منها الأمريكيون، ولم تعد السفارة الأمريكية في بغداد، التي كانت أكبر سفارة لواشنطن في العالم، إلا مجموعة من الدبلوماسيين الذين لا يغادرون المجمع إلا نادرا.
كان المحتجين في الماضي يستمعون إلى نصائح المرجعية في النجف، جنوب العراق، إلا أن آية الله علي السيستاني يفقد سلطته بصفته حكما بين الحكومة والجماهير، ويتم تلقي دعواته في خطب الجامعة للاعتدال بنوع من السخرية، ويقول محتج في البصرة: (لا تقف المرجعية مع الشعب) ورجالها (يعيشون من أموال الحكومة).
في السياق ذاته، فإن رجل الدين مقتدى الصدر فقد طريقه، وهو الذي كان يتحدث نيابة عن المحرومين، فبعد فوزه مع أن كتلته “سائرون” بمعظم مقاعد البرلمان العام الماضي، إلا أنه ومنذ دخول حزبه الحكومة، يقضي معظم وقته في إيران، ويشير المتظاهرون، إلى ضمه للمحور الإيراني. المسؤولون يعترفون بأن خياراتهم تنفد، فيقول عبد المهدي: (لا يوجد حل سحري)، ويتم إلقاء قنابل حارقة على مقرات الأحزاب، ويقول المسؤولون إنهم يتعرضون للهجوم، وهناك من يتحدث بتشاؤم عن وضع يشبه ما حدث في سوريا، ومع أن الديمقراطية العراقية الناشئة ليست غريبة على الاضطرابات، إلا أنها تواجه أخطر مراحلها.