بقلم: طاهر علوان
الشرق اليوم- يا ترى كيف تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى عدو بالغ الخطورة في نظر الكثير من الأنظمة التي تكره شعوبها، وشعوبها تبادلها الكراهية، ولا ثقة بين الطرفين؟
لم يعد يقلق تلك الأنظمة البائسة سوى تغريدة من بضع كلمات هنا أو منشور بسيط في فيسبوك هناك، فتهتز عروش وترتعب أركان النظام.
تغريدات ومنشورات مواطنين عزل بسطاء لا يملكون إلا جهاز كمبيوتر متهالك يبثون على شاشته ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي همومهم ومعاناتهم تتحول إلى زلزال يضرب دولا وحكومات بجيوشها ومخابراتها وحرّاسها وإعلامها.
هي حقا مفارقة عجيبة!
في حوالي منتصف العام 2013 كانت قد اندلعت موجة مظاهرات واحتجاجات عارمة في تركيا عرفت باحتجاجات متنزه غيزي، أسفرت عن مقتل 11 شخصا وجرح قرابة 8000 وسجن 3000 شخص، ويومها كان أو ما تمّ خنقه هو منصات التواصل الاجتماعي.
كان اكتشافا هو أقرب إلى الصدمة، أن تظهر منصات التواصل الاجتماعي أداة سهلة وسريعة تديم الصلة مع جميع الأطراف التي تلتقي عند هدف واحد.
ولهذا تداعت الكثير من الحكومات وهي تتسابق لخنق تلك المنصات وإسكاتها؛ الصين لا تزال تحجب تلك المنصات منذ العام 2009 كما فعلت تركيا إبان أحداث غيزي، وكذلك تفعل كوريا الشمالية وإيران، وقبلها مصر إبّان الثورة في العام 2011.
واليوم تضاف إلى القائمة الحكومة العراقية التي يبدو أنها قد ارتجفت فرائصها، حالها حال باقي الحكومات التي ترعبها الكلمة وتقضّ مضجعها المواقف الوطنية الشجاعة.
أقدمت الحكومة العراقية خلال هذا الأسبوع الذي تصاعدت فيه الاحتجاجات والمظاهرات في أنحاء البلاد، على جعل البلاد تعيش تعتيما كاملا، فلا أحد يستطيع أن يتكهن بما يجري.
مشاهد القتل بالرصاص الحي التي انتشرت انتشار النار في الهشيم في منصات التواصل الاجتماعي، أرّقت السلطات الحكومية التي تحاول بشتى السبل النأي بنفسها عن أيّ مسؤولية قانونية أو أخلاقية تجاه الشعب.
لا شك أن منصات التواصل الاجتماعي ستكون بمثابة منشورات وتعليمات سرية كما كان سائدا في أزمنة ما قبل الإنترنت ولهذا فهي مخيفة بالنسبة للعديد من الأنظمة.
بالطبع يسبق ذلك ويرافقه إنفاق أموال طائلة وحشود من الجواسيس الذين تكون مهمتهم الأولى هي مراقبة المحتوى، وماذا يكتب وكيف يفكر المواطن الأعزل من خلال تغريدات بسيطة أو ملاحظات عابرة ينشرها في منصات التواصل الاجتماعي.
من الملفت للنظر خلال كل هذا هو الفهم الخاطئ والمتخلف لمفهوم الجيل، إذ يجري الاستخفاف التام به، ذلك الجيل الذي نشأ على تلك البرمجيات ومنصات التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو التي تزيد الإنسان التصاقا بتلك التكنولوجيا المتطورة.
جيل يجري الاستخفاف به وكأنه غير موجود مع أنه جيل متوثب وخطير، ليس عليه الطاعة العمياء والمجردة، بل إن مهمته هي الرفض ويستخدم منصات التواصل الاجتماعي بوصفها بيئة فريدة يجد فيها نفسه ويعبر فيها عن أفكاره ويومياته ومواقفه، بل إن هنالك الكثير من أولئك المستخدمين يعدّون تلك المنصات بمثابة الأوكسجين الذي يتنفسونه.
هذه الأزمنة التي تحولت فيها الهواتف النقالة إلى هدف في حدّ ذاتها؛ فهي الكاميرا المرنة التي كانت في الماضي محطة إرسال تلفزيوني وإذا بها تقوم بذلك الدور المخيف في نقل الحقائق الصادمة التي لا ترضي الأنظمة المتهالكة والتي لا يثق زعماؤها بأنفسهم ولا بقدراتهم.
ولعل الطريقة التي تعاطى بها جيل طالع من رحم المعاناة بعراق ما بعد 2003 في ما يخص منصات التواصل الاجتماعي هو الذي يلفت الأنظار، إذ كانت هنالك شبكات عفوية تتناقل مقاطع الفيديو والصور التي تفضح الانتهاكات الصارخة في المواجهة التي لا تزال تدور رحاها حتى الآن، ولا تزال منصات التواصل الاجتماعي مخنوقة.