بقلم: علي قاسم – العرب اللندنية
الشرق اليوم- الهجمات الأخيرة التي طالت منشآت النفط في السعودية، لم تستهدف المملكة وحدها، بل طالت تأثيراتها السلبية لتشمل الاقتصاد الأمريكي، والاقتصاد العالمي. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعلم ذلك أكثر من غيره، فهو رجل اقتصاد وأعمال، قبل أن يكون رجل سياسة، وأن يصدر التعليق عنه أمر له دلالته.
الهجمات أثرت على خمسة ملايين برميل من إنتاج النفط الخام يوميا، وهو ما يقارب نصف إنتاج السعودية، أو 5% من المعروض العالمي. ورغم إعلان جماعة الحوثيين، مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أن واشنطن استبعدت على لسان وزير خارجيتها، مايك بومبيو، أن يكون اليمن مصدر الهجمات، متهما إيران بشكل مباشر، واصفا جهودها الدبلوماسية التي تقوم بها بالكاذبة.
وحمل بومبيو طهران المسؤولية عن نحو 100 هجوم تعرضت لها المملكة، في الوقت الذي يتظاهر فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزير خارجيته جواد ظريف، بانخراطهما في الدبلوماسية. هل حان الوقت الذي تضع فيه الولايات المتحدة على الطاولة خطة للهجوم على مصافي النفط الإيرانية؟ هذا ما يعتقده السيناتور الأمريكي، لينزي غراهام، الذي دعا الحكومة الأمريكية إلى دراسة توجيه ضربة عسكرية لمنشآت النفط في إيران.
لينزي، ومعه مسؤولون أمريكيون آخرون، يعتقدون أن إيران لن توقف أعمالها، التي وصفوها بـ”السيئة”، حتى تعرف أن عواقبها أكثر جدية، مثل مهاجمة مصافيها، التي “حقا ستكسر ظهر النظام”.
“ضربة مقابل ضربة”، هذا ما يقترحه السيناتور الأمريكي، ويلوح به وزير الخارجية، سياسة أثبتت فشلها في الماضي، فلماذا نصدق الآن أنها ستكون ناجحة مع طهران. لا ينفع أن تكون العين بالعين، والسن بالسن، الأمر ليس بهذه البساطة، “مع الإرهاب يجب اقتلاع الشر من جذوره”.
إن كنا من جماعة نظرية المؤامرة، سنقول إن الولايات المتحدة تشعل الحرائق لتبقيها مشتعلة، ولكن، إن لم يكن في الأمر مؤامرة، فماذا يكون إذا؟
لماذا تتكبد الولايات المتحدة خسائر ضخمة، في المال وفي البشر، ثم تعلن تراجعها وانسحابها قبل أن تكتمل المهمة؟ هناك من يفسر الأمر بضغوط الشارع الأمريكي. الأميركيون، منذ الحرب في الفيتنام، وجهوا سؤالا للسياسيين تكرر في أكثر من مناسبة، لماذا نخوض حروب غيرنا، في أراض بعيدة عنا؟
المسؤولون في الولايات المتحدة يعلمون أن الحروب التي يخوضونها هي في الحقيقة حروبهم، ويعلمون أيضا أن المسافات اليوم لم تعد موجودة.. جغرافيا، نعم، ولكن أمنيا واقتصاديا، أصبحت ملغاة. المشكلة تبقى مشكلة صناديق اقتراع، الرؤساء الذين يطمحون إلى فترة حكم ثانية، عليهم أن ينهوا فترتهم الأولى بوصفهم أبطال سلام، وليس أبطال حرب.. حدث ذلك أكثر من مرة، وفي أكثر من أزمة.
بعد 18 عاما، أنفقت فيها الولايات المتحدة 900 مليار دولار، ولقي خلالها 147 ألف شخص حتفهم، لا تزال طالبان تسيطر على نصف أفغانستان، ولا تخفي طموحها للسيطرة على النصف الآخر. كما أن خسائر الولايات المتحدة وحدها من الجنود تجاوزت 2400 جندي، وخسر الحلفاء 1144 جنديا من قوات حلف الناتو.
وفي العراق بلغت تكلفة الحرب الأمريكية 1.7 تريليون دولار، حسب دراسة أعدها معهد واتسون للدراسات الدولية بجامعة براون الأمريكية، إضافة إلى 490 مليار دولار هي مستحقات قدامى المحاربين، وهي نفقات قد تنمو، حسب نفس الدراسة التي حملت عنوان “تكاليف مشروع الحرب”، إلى أكثر من ستة تريليونات دولار خلال العقود الأربعة المقبلة، بحساب الفائدة.
الدراسة تحديث لتقرير أعده معهد واتسون عام 2011، تضمن تقديرات للخسائر المادية والبشرية للحروب التي تلت الهجمات في أفغانستان وباكستان والعراق. وبعد كل تلك الخسائر، المادية والبشرية، مازالت إيران تزود وكلاءها من الجماعات المسلحة في اليمن وسوريا ولبنان والعراق بالسلاح، وترسل من خلالهم رسائل تتحدى فيها الحصار المفروض عليها.
في الحرب ضد التطرف، العين ليست بالعين.. العين بتجفيف موارد الإرهاب.. وهذا لن يكون إلا بتجفيف المستنقع الإيراني والتركي.
تركيا، حليفة واشنطن، التي تحولت تحت حكومة رجب طيب أردوغان إلى راع للإخوان المسلمين، تقدم هي الأخرى الدعم لوكلائها، خاصة في ليبيا، متمسكة بآخر أمل لها في استمرار الإخوان المسلمين، بعد أن انهارت سلطتهم في دول الربيع العربي، دولة إثر الأخرى.
لنستعير ما قاله وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، مشيرا إلى الإمارات والسعودية، ونعممه على دول المنطقة والعالم. الهجوم الإرهابي على منشآت أرامكو طال الجميع، والتحدي الاستراتيجي الذي نواجهه يفرض تضافر كل الجهود، يجب أن نختار بكل مسؤولية موقفنا وموقعنا.. فمسارنا ومصيرنا واحد.
في الحرب ضد التطرف، “العين ليست بالعين.. العين بتجفيف موارد الإرهاب”.. وهذا لن يكون إلا بتجفيف المستنقع الإيراني.