BY: David Ignatius – Washington Post
الشرق اليوم- كل رئيس منذ الرئيس جيمي كارتر، حَلُم في توقيع معاهدة سلام في كامب ديفيد، وهذا الغرور يمكن التسامح معه حتى وإن كان من شخص محب لنفسه مثل الرئيس ترامب، لكن هذا الحلم كاد أن يجعل ترامب يعقد صفقة غير حكيمة بخصوص أفغانستان مع حركة طالبان التي لا تزال تستخدم “الإرهاب” سلاحا رئيسيا.
حتى أقرب حلفاء ترامب، مثل السيناتور ليندزي غراهام، حذره على مدى أسابيع من الاتفاق مع حركة طالبان، إذ كان غراهام منتقدا جدا لترامب، على غير عادته، بحجة أن الاتفاقية التي يقوم المبعوث الخاص زلماي خليل زاد بالتفاوض عليها مع حركة طالبان التي لم تتغير ستترك أمريكا عرضة للهجمات.
ترامب أمر خليل زاد بإعداد الصفقة، وأضاف على ذلك أن يكون التوقيع في كامب ديفيد، وربما يكون الرئيس يعاني من رغبة شديدة في الحصول على جائزة نوبل، ففي المفاوضات التي قام بها ترامب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، وحركة طالبان، “وغزله مع إيران”، كان يسعى للحصول على اتفاقيات، ويريد فرصة لالتقاط الصور أيضا.
في الآونة الأخيرة تراجع ترامب عن “مهزلة” تضخيم الذات قبل أن يفوت الأوان، وليست المشكلة فقط أنه كان سيحتضن قيادات حركة طالبان الملطخة أيديهم بالدماء، فتلك مشكلة في اتفاقيات السلام التي تتم بين المتقاتلين كلها، بل المشكلة هي أن حركة طالبان لم تثبت أنها ملتزمة بالتخلي عن جذورها.
الأمر الذي قاله ترامب بدقة ليلة السبت في تغريداته التي ألغت لقاء كامب ديفيد، بعد أن تحملت حركة طالبان مسؤولية الهجوم بسيارة مفخخة في كابل، تسبب بقتل جندي أمريكي و11 آخرين، فقال: (أي نوع من البشر يلجؤون للقتل لتقوية موقفهم التفاوضي؟.. وإن لم يكن بإمكانهم الالتزام بوقف إطلاق النار خلال مفاوضات السلام المهمة هذه.. فإنهم ربما لا يملكون القدرة على التفاوض على اتفاقية ذات معنى على أي حال).
ما حصل يجب ألا يكون مفاجئا لترامب، فقد حاول خليل زاد لفترة طويلة الضغط على حركة طالبان لإيقاف مثل هذه التفجيرات، وإثبات أنها مستعدة للعمل مع الحكومة الأفغانية لتخفيف العنف، لكن مفاوضي حركة طالبان رفضوا ذلك، فكان من الواضح أنهم يعتقدون أن تلك التكتيكات تزيد من أوراق الضغط في أيديهم، وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، بحسب مصادر أفغانية، كانوا يقومون بما يمكن اعتباره احتفالات انتصار، والآن تم إبطال أسباب هذه الاحتفالات.
في السياق يقول غراهام في مقابلة صحفية: “لقد تجنبنا الرصاصة”، ووصف اجتماع كامب ديفيد الذي كان مخططا له بأنه “كثير جدا ومبكر جدا”، وقال إن ترامب “قام بالفعل الصحيح” عندما ألغى ذلك الاجتماع.
الآن لدى ترامب فرصة لإعادة ترتيب الطاولة في أفغانستان، دون الالتزام بأي جنود أمريكيين إضافيين، عن طريق زيادة الضغط السياسي على حركة طالبان، التي أدت تكتيكاتها الإرهابية إلى نتائج عكسية، والانتخابات التي كان من المزمع عقدها في وقت لاحق من هذا الشهر يجب أن تمضي قدما، ومن المحتمل أن يخرج منها الرئيس أشرف غني، (الذي تعزز موقفه بسبب موقف ترامب القوي) بتفويض أقوى، وستحاول حركة طالبان إرهاب المصوتين وعرقلة الانتخابات، لكن ذلك سيؤدي إلى تعمق عدم شعبيتها لدى معظم الأفغان.
أفغانستان أصبحت بلدا غير تلك التي حكمتها حركة طالبان حتى تم إسقاطها في حملة قادتها أمريكا بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، فأصبحت أكثر تمدنا وحداثة واتصالا، بدلا من المجتمع القبلي التقليدي السابق، ونقلت (نيويورك تايمز) عن طبيب عالج أحد ضحايا السيارة المفخخة الأسبوع الماضي، قوله: (أريد أن أسأل ترامب.. لماذا لم يوقف مفاوضات السلام بعد هذه الهجمات كلها، التي قتلت العديد من المدنيين؟)”.
هناك طريقة أخرى لتعزيز الضغط على حركة طالبان، وهي تقوية العلاقات الأمريكية مع باكستان، بالتفاوض على اتفاقية تجارة حرة، وتعاون أمني أفضل، فازدواجية باكستان -بدعم حركة طالبان في الوقت ذاته الذي تؤيد فيه الحرب الأمريكية ضدها- كانت مشكلة جذرية خلال حرب أفغانستان الطويلة، وهذا أمر بحاجة لإصلاح.
الآن هناك فرصة لإعادة الأمور إلى نصابها: فقادة باكستان الحاليون -رئيس الوزراء عمران خان ورئيس الأركان الجنرال قمر جاويد باجوا- قد يكونون أفضل الشركاء الذين تحصل عليهم أمريكا منذ سنوات، لقد حان الوقت لاختبار ما إذا كان بإمكانهم القيام بالمهمة، فكما قال غراهام، إن علاقات أمريكية أقرب مع باكستان (ستخيف حركة طالبان).
فرصة السلام في أفغانستان مهمة جدا، ويجب عدم إضاعتها باتفاقية سابقة لموعدها ولا تحظى بالدعم الكامل، وفي الوقت المناسب قام ترامب بإعادة إرسال خليل زاد للتفاوض على اتفاقية أفضل، وذلك يوفر على ترامب حرج فشل اتفاقية توقع في كامب ديفيد، والأهم من ذلك أنها تفتح المجال أمام تحالف سلام أفضل يمكنه فعلا تطويق “الإرهاب”.