BY: Farnaz Fassihi – The New York Times
الشرق اليوم- إن فكرة حتمية تفاوض إيران في المحصلة مع الرئيس ترامب تترسخ في دوائر السلطة في طهران، التي يتم فيها ترديد عبارات كـ “الموت لأمريكا” باستمرار، بحسب عدد من الأشخاص المطلعين على هذا التحول. الذين أكدوا أن القيادة الإيرانية توصلت إلى أن هناك احتمالا بأن يعاد انتخاب ترامب، وأنه لا يمكن لإيران أن تتحمل العقوبات المرهقة لست سنوات أخرى.
هذا التحول في المؤسسة السياسية في طهران، التي استمدت شرعيتها على مدى الأربعين عاما الماضية من تحديها لأمريكا، وكانت معادية بالذات لترامب، يلفت الانتباه. فالرئيس الإيراني حسن روحاني، حاول أن يرى إن كان بالإمكان الاجتماع بترامب، واشار إلى أنه مستعد لمثل هذا الاجتماع إن ترتبت عليه فائدة للإيرانيين، لكنه عاد عن موقفه خلال 24 ساعة، ما قد يشير إلى عدم موافقة الزعيم الروحي آية الله خامنئي.
الأشخاص المطلعين على تفكير القيادة في إيران، يقولون إنه يجب النظر إلى تصرف روحاني على أنه جزء من استراتيجية جديدة بدأت تظهر في إيران، وقالوا إن الاستراتيجية تسير على مسارين متوازيين: عرض موقف أكثر تحديا في السياسة العسكرية والطاقة الذرية لإزعاج ترامب، وفي الوقت ذاته بعث إشارات بالاستعداد للحوار تحت ظروف محددة، مخاطبين بذلك حبه لعقد الصفقات.
وفي السياق، يقول عباس عبدي، الذي كان أحد قادة الطلاب الذين احتجزوا موظفي السفارة الأمريكية عام 1979، وأصبح الآن شخصية مهمة في الفصيل المعروف بالإصلاحيين والمنفتح على فكرة الحوار مع الأمريكيين، إن “إيران تحولت تماما”، فالمتشددين الذين يعارضون الحوار “استنتجوا بأن ما ينجح مع أمريكا الآن هو التشدد، لكن أيضا الانفتاح على الحوار إن قدم ترامب بعض الضمانات”.
كما كان متوقع فإن القيادة الإيرانية، غضبت العام الماضي عندما قام ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران، والموقعة في 2015 مع قوى العالم، وطالب باتفاقية أشد وفرض عقوبات قوية على إيران، وفي الوقت الذي أمل فيه البعض أن يكون ترامب رئيسا لفترة رئاسية واحدة، إلا أن هذا الرأي بدأ يتلاشى.
اجتمع نائب الرئيس الأول إسحاق جاهنغيري، في أوائل آب/ أغسطس مع عدد من المستشارين والمنتسبين السياسيين لمناقشة مقاربة الحكومة في التعامل مع أمريكا، بحسب شخص حضر الاجتماع وآخر على علم به، “المجتمعين قالوا إنه إذا أراد ترامب اتفاقا أشمل من الاتفاق الحالي، فإن إيران مستعدة أن تدرس طلبه -وحتى أن تناقش جوانب من برنامجها الصاروخي البالستي والدور الايراني في المنطقة- لكن في المقابل فإن إيران ستسعى للحصول على ضمانات أشمل من أمريكا، برفع العقوبات الاقتصادية على المدى الطويل”.
وعلى صعيد متصل، يقول صادق الحسيني، وهو من كبار مستشاري السياسة الخارجية والاقتصاد لجاهنغيري، في تغريدة على “تويتر”: “هذه فرصة ذهبية لا يتوقع أن تتكرر العقد القادم.. هذه بداية اللعبة لإيران، تمنح الانتخابات الأمريكية القادمة فرصة فريدة للعب مع ترامب”.
قوت إيران من دبلوماسيتها، حيث قام وزير الخارجية محمد جواد ظريف بجولة في أوروبا، وتوقف في قمة السبعة الكبار بدعوة مفاجئة من فرنسا، وسافر إلى الصين واليابان وماليزيا لمقابلة الرؤساء هناك، لكن ترامب لم يقابل ظريف في قمة السبعة الكبار، ولم يتضح ماذا كان يريد وزير الخارجية الايراني الحصول عليه من أمريكا، لكن المحللين الإيرانيين يتوقعون أنه في الغالب طرح تخفيف العقوبات.
ظهور ظريف في القمة، زاد التكهنات بمفاوضات مباشرة بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على هامش القمة، أن ترامب وروحاني قد يجتمعان خلال أسابيع، لكن ترامب لم يعط أي اشارة في القمة.
بعد أن طرح روحاني مجرد احتمال اللقاء بترامب، تساءلت صحيفة “كيهان”، التي تمثل التيار المتشدد في إيران، قائلة: “هل أنت مجنون؟”، لافتة إلى أن مجموعة “متحدون ضد إيران نووية”، التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، وتدعم انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية، قالت: “إن الزخم الذي ولده الضغط الأقصى قد يتبخر بسرعة إن بدأت المفاوضات بين إيران وأمريكا قبل أن يحين الوقت”.
القرار الحقيقي حول إمكانية التفاوض مع ترامب هو في يد آية الله خامنئي، فيرى المحللون والسياسيون الإيرانيون، أن ظريف ما كان ليذهب إلى قمة السبعة الكبار دون موافقة آية الله خامنئي، مع أن المرشد الأعلى كان دائما يقف ضد أمريكا، إلا أنه أظهر في الماضي مرونة عندما تنفد الخيارات، وإن كان يمكن تقديم تنازل دون خسارة ماء الوجه.
يقول سعيد شريعتي، وهو زعيم حزب إيراني إصلاحي: “إن الكلام الخطابي الذي تسمعه ضد أمريكا هو جزء من التكتيك.. فإيران وأمريكا لن تحلا مشكلاتهما تماما.. لكنهما قدمتا تنازلات في الماضي، وعليهما فعل ذلك مرة أخرى”.