الرئيسية / الرئيسية / مترجم: تنظيم “داعش” لم يُهزم وباقٍ لمدة طويلة

مترجم: تنظيم “داعش” لم يُهزم وباقٍ لمدة طويلة

BY STEPHEN M. WALT – FOREIGN POLICY

الشرق اليوم- أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في فبراير عن هزيمة تنظيم “داعش” 100%، ونسب النصر المزعوم لنفسه، ولسوء الحظ فإن الرئيس والحقيقة يبدو أنهما في كرتين أرضيتين مختلفتين، حيث سارع مستشار الأمن القومي جون بولتون لتصحيح كلام ترامب المتباهي، مخبرا شبكة “إي بي سي” بأن “تهديد التنظيم لا يزال مستمرا”، وأكدت تقارير وزارة الدفاع أن بقايا التنظيم أو جماعات نابعة منه ناشطة في عدد من الأماكن بما فيها أفغانستان، وفي الأسبوع الماضي نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا مطولا تحدث عن عودة التنظيم مرة أخرى إلى العراق وسوريا.

ترامب كان مخطئا للقول إن تنظيم “داعش” قد هزم بالكامل، إلا أن تصميمه على العودة وتعافيه ليسا مثار الدهشة على الإطلاق، وعلى خلاف ذلك، فإن اعتقاد أن التنظيم يمكن هزيمته على المدى المتوسط أو القصير هدف غير واقعي؛ لأن إنهاء التنظيم من المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا هو هدف واضح، وقامت أمريكا وحلفاؤها المحليون بمهمة جيدة وفاعلة لإخراجه منها، بالإضافة إلى أن “داعش” لم يكن أبدا في الحساب على الأقل في المنظور الحالي.

لتاريخ حافل بالأمثلة عن الحركات السياسية والدينية التي تمتعت بشعبية لتواجه نكسات لسبب أو لآخر، إلا أنها استمرت في الوجود لعقود طويلة، مثلا المجموعة المسيحية (شيكرز) التي يتذكرها الناس بنوع الأثاث المنسوب إليها، وكانت (شيكرز) بطرق مختلفة نموذجا أيديولوجيا مختلفا عن تنظيم “داعش”، وكان أفرادها يؤمنون بالمساواة والسلام، لكنهم تبنوا مواقف حول عدد من الموضوعات، ففي القرن التاسع عشر كان هناك الآلاف من أتباع (شيكرز) يعيشون في مجتمعات منفصلة حول الولايات المتحدة، وتراجع عدد أفرادها للعشرات بحلول العشرينيات من القرن الماضي؛ وذلك بسبب قوانينهم المشددة حول العزوبية، وهو ما أثر على نمو الحركة واستمرارها، ورغم هذا كله فعن هناك مجتمعا واحدا من (شيكرز) قائم في الولايات المتحدة، أي بعد قرنين من ميلاد الحركة.

هناك مثالا آخر وثيق الصلة، فقد كان ليون تروتسكي لاعبا مهما في الثورة البلشفية، إلا أنه خسر المعركة على السلطة مع جوزيف ستالين، وفر إلى المنفى، حيث اغتيل لاحقا على يد عميل سوفييتي، ولم تكن حياة تروتسكي في المنفى سياسية بالمعنى الحقيقي، إلا أنه احتفظ بولاء آلاف الماركسيين الذين فضلوا رؤيته عن الشيوعية على تلك التي دعا إليها ستالين،  ومات تروتسكي إلا أن أفكاره استمرت لعقود طويلة، وكذلك تنظيم “داعش”، فرغم أنه أغضب وأرعب وأخاف ملايين الناس حول العالم، ورغم فشله بهزيمة أعدائه، أو إشعال ثورة دائمة في العالم الإسلامي، فإن التنظيم لا يزال يحتفظ بولاء آلاف الناس، ويظل جذابا لعدد جديد من المؤيدين.

فـ “داعش” هو فكرة أكثر من كونه حركة متماسكة، ناهيك عن (خلافة) قوية، ويمكن لمعارضيه استعادة الأراضي التي سيطر عليها وقتل أو القبض على قادته، إلا أنه طالما ظلت الفكرة على قيد الحياة وقادرة على الإمساك بخيال أتباع جدد فإن الحركة ستظل على البقاء في شكل من الأشكال.

مثل بقية الأيديولوجيات الثورية، فإن رؤية تنظيم “داعش” مصممة لتحفظ الحركة من الفشل المحتمل والنكسات، فمثل اللينية والماوية والجاكوبية والأفكار الثورية الأخرى، فإن أيديولوجية التنظيم تعترف بأن كادرها عدده قليل، وبأن معارضيها أقوى منها، ويحذر التنظيم أتباعه من النكسات المحتملة، ويخبر عناصره بأن عليهم التضحية في معركة طويلة، وكما تنبأ كارك ماركس وفلاديمير بوتين بالنصر النهائي للشيوعية فإن قادة “داعش” يصرون على حتمية النصر على المدى الطويل طالما تمسك أتباعه بالقضية.

ربما أسهمت ميول التنظيم المثيرة للانقسام بمساعدته على النجاة، فعندما تواجه حركة سياسية أو راديكالية النكسات تزداد احتمالات الانقسام فيها، وبعد هذا كله فإن هذه الحركات تعتمد على مزاعم قادتها بأنهم وجدوا (الإيمان الحقيقي/ سواء كان دينيا أم علمانيا)، وهذا لا يجعلهم غير متسامحين مع المعارضة، و(بالتالي عرضة للمعارضة الداخلية واتهامات بالخيانة والزندقة) بل تجعلهم عرضة للانقسام طالما لم تتحقق نبوءات التنظيم الكبرى.

الأخبار السعيدة هي أن الخلافات الداخلية تقوض وحدة هذه الحركات، وتبدد الموارد التي تحاول استخدامها لتحقيق التماسك أو هزيمة التحديات الداخلية، وهو ما يجعلهم أقل فعالية لمواجهة التحديات الخارجية، أما الأخبار السيئة فهي أن انقسام الحركات لفصائل وجماعات يعطي حياة للأفكار العامة؛ لأن هزيمة حركة واحدة لا يكفي لنزع الشرعية عن الحركة بشكل كامل، والتوجه ذاته قد يعطي أملا للذين أصيبوا بالخيبة من النتائج التي حققتها الحركة، ويقنعهم بمواصلة المضي تحت قيادة جديدة أو تسمية جديدة.

علاوة على هذا فإن التنظيم لن يختفي؛ لأن المظالم والظروف التي غذت ظهوره لا تزال قائمة، ومنذ البداية بنت معظم الحركات الجهادية بعض الدعم من المعارضة الصريحة للتدخل الخارجي في العالم الإسلامي، ونعني هنا الغرب، وهذا صحيح بالنسبة لحركة طالبان وتنظيم القاعدة وتنظيم “داعش” أيضا، مع أن هناك اختلافات بينها أيضا، ولا تزال القوى الغربية تتدخل في المنطقة فيما يواصل القادة الغربيون، بمن فيهم ترامب، قول وعمل الأشياء التي تؤكد دعاية التنظيم، وهي أن الغرب في حرب مع الإسلام، وبالتأكيد فإن “داعش” هو في حرب مع الجميع، بمن فيهم ملايين المسلمين الذين يعدهم زنادقة، وطالما استمر تدخل الدول الغربية فإن التنظيم وإخوانه سيظلون قادرين على تجنيد العديد من الأتباع.

من الأفضل الاعتراف بأن تنظيم “داعش” لن يهزم بشكل كامل ولن يختفي ولمدة طويلة، ولحسن الحظ فهو لا يمثل خطرا وجوديا، وستظل بقاياه مشكلة تحتاج للانتباه والتعامل معها، مع أن معظم الجهود يجب أن تأتي من الدول التي يعمل فيها التنظيم، وعلينا ألا نتجاهله، بل علينا التعامل مع المشكلات الكبرى اليوم وفي السنوات المقبلة.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …