بقلم: د. ماجد السامرائي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- أتت الذكرى الـ29 للغزو العراقي للكويت، والتي صادفت، الجمعة (2 أغسطس) مرفقة بمساع حثيثة من البلدين لطي صفحة الماضي. ولعل من أبرز الخطوات التي تؤكد ذلك الاجتماع الذي عقدته لجان من الصليب الأحمر والكويت والعراق الأربعاء في عمان وبحثت خلاله ملف المفقودين بعد نحو 30 عاما من نهاية الحرب.
وقد لا ينفع استحضار الذاكرة المؤلمة في حياة العراقيين والكويتيين إلا لتشكل دروسا مهمة لبناء الحاضر والمستقبل. وتعتبر هذه الذكرى من الوقفات التاريخية السوداء في تاريخ البلدين. فقد أساءت هذه الحرب للعراقيين الذين استهدفوا الكويتيين واجتاحوا أرضهم وممتلكاتهم ومتاجرهم بلا ذنب اقترفوه سوى “ذنب تمسكهم بأرضهم وحبهم للعراق وأهله”.
ومن الناحية السياسية والاقتصادية، لم تكن مبررات هذا الغزو مقنعة. ورغم أنه كان ممكنا للحلول الدبلوماسية أن تثمر إلا أن الغلبة كانت لمقولة “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق” التي أطلقها الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، أمام المجتمعين في قمة بغداد قبل أسبوع من الغزو، حيث خرج العراق منهكا اقتصاديا بعد حرب الثماني سنوات مع إيران.
كان شعور صدام حسين بنضوج دعوته لقيادة العرب، هو قبولهم باعتقاد أن حرب العراق هي للدفاع عن بوابة الوطن العربي الشرقية ضد التوسع الإيراني. ولم تشفع للكويتيين مواقفهم وتفاعلهم مع العراقيين في أصعب فترة هي الحرب مع إيران.
شهدت تلك الفترة أَوْجَ معاني الفخر الذي كان يكنه كثير من الكويتيين لصدام حسين الذي لقَّبه الكويتيون «حامي البوابة الشرقية» ورفعوا صوره في العديد من منازلهم كقائد مغوار. وخلال أيام الحرب كان كل مواطن كويتي لديه جهازي تلفزيون في داره؛ واحد للقناة الكويتية والآخر للقناة العراقية حين لم تكن هناك فضائيات.
وكان هناك خط هاتفي مباشر بين مكتب مدير عام الإذاعة والتلفزيون العراقي والديوان الأميري الكويتي حيث كانوا يطلبون منه إذاعة الأناشيد
الوطنية العراقية “منصورة يا بغداد وإحنا مشينا للحرب وهيه ياهل العمارة”. ويذكر أن وزير الإعلام العراقي كان هو الذي يختار المانشيتات الرئيسية لبعض الصحف الكويتية قبل صدورها. وكان الصحافيون والكتاب الكويتيون يتدفقون بقوافل إلى جبهات القتال جنوبي العراق لنقل وقائع الحرب.
لكن، دفع العراق أيضا ثمن الحرب. ونهاية نظام صدام ليست سوى جزء من هذا الثمن. اعتذر صدام حسين عن حرب الكويت في عام 2002، لكن الاعتذار لم يشفع للعراقيين الذين وجدوا أنفسهم في نفق العقوبات والحروب اللاحقة والتمزق الطائفي والاحتلال الأميركي، وصولا إلى احتلال إيران التي أصبحت تتحكم في مفاصل الدولة العراقية.
اليوم مازالت هناك ملامح كراهية وثأر بين أهل البصرة والكويت رغم ما بينهم من روابط عائلية عميقة. صحيح ظهرت أصوات متشفية في وسائل الإعلام الكويتية منذ عام 1991 من بعض السياسيين والمثقفين الداعين إلى بناء جدران العزلة مع العراق ومعاداة أي دعوة للتصالح مع شعبه على أساس “أن ذاكرة الاحتلال ستبقى محفورة في ضمير الأجيال الكويتية، وأن الاحتلال ليس من قبل حاكم ولكنه احتلال عراقي”.
لكن بالمقابل ظهرت كتابات كثيرة ومنابر أصيلة من مثقفين وكتاب تدعو إلى إخماد نيران الكراهية والعزلة، مثلا كتبت بثينة العيسى، وهي كاتبة كويتية مرموقة، “أشعر بالقهر لأننا لا نزور بغداد كما نزور بيروت والقاهرة، وأشعر بأنه قد تمت خديعتي، مُسختْ ذاكرتي، صودر حقي في أن أعرف العراق، لا عراق صدام حسين ولا عراق أمريكا، بل عراق السيَّاب التي قال عنها: الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام حتى الظلام هناك أجمل، فهو يحتضن العراق”. كشفت المعادن الأصيلة لدى الكويتيين عن نفسها. وعبرت عن عروبتها وأصالتها بحب أهل العراق خلال محنته الراهنة خصوصا بعد التدمير الذي حصل في المحافظات الغربية بعد حرب داعش ومعاناة النازحين. فتبنت الكويت مشروع إعادة الإعمار الذي عقد مؤتمره عام 2018 في الكويت حيث تعهدت بعض الدول بتقديم ما يقارب الثلاثين مليار دولار من بينها الكويت والسعودية والإمارات والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية على شكل قروض واستثمارات، مع ملاحظة أن إيران لم تقدم دولارا واحدا.
والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين وعلى أعلى المستويات بين البلدين تسعى إلى التخلص من ذكرى الماضي الأليم وتذليل العقبات أمام التعاون الثنائي في مختلف المجالات، لاسيما في مجالي الغاز والتجارة وتسهيل حركة البضائع والسلع بين البلدين.
وزار قبل أيام وفد برلماني وحكومي عراقي الكويت لحضور الاجتماع الثاني حول إعمار العراق، ويبدو أن هذا اللقاء العراقي الكويتي له ميزة خاصة لما تخلله من انفتاح عال في الحوارات بين أمير الكويت وأركان الأسرة الحاكمة ومنهم الشيخ فيصل الصباح محافظ الفيروانية المعروف بحبه للعراق. وطرحت من الجانب الكويتي الكثير من الخطوات والمشاريع العاجلة من أجل تقوية أدوات العون للعراقيين وتفعيلها عمليا للخروج من محنتهم خصوصا المحافظات المتضررة وعودة واستقرار العوائل النازحة. ولا يمكن لمن يريد الخير لأهل العراق أن يشكك بتلك الخطوات لمجرد اجترار الماضي الحزين، كلا الشعبين العراقي والكويتي اختزنا في نفوسهما آلام تلك الجراح، ولكن لمصلحة من تأجيج الكراهية والحقد؟