بقلم: بهاء العوام – العرب اللندنية
الشرق اليوم- يدرك الأوروبيون أن الإيرانيين لن يوقفوا التخلي التدريجي عن التزاماتهم في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، طالما بقيت العقوبات الأميركية تثقل كاهلهم. ويدرك الإيرانيون أن الأوروبيين متمسكون بهذا الاتفاق إلى أقصى درجة بحثا عن مكانة ضائعة وليس تمسكا باستثماراتهم في إيران أو خوفا من امتلاكها سلاحا نوويا.
أن تبطل الدول الأوروبية مفعول العقوبات الأميركية على إيران فهذا يعني مواجهة مباشرة معها. مواجهة اقتصادية مع قليل من الدبلوماسية، ولكن تداعياتها ستكون كبيرة.
لا نبالغ بالقول إن مثل هذه المواجهة قد تغير خارطة تحالفات دولية قديمة بنيت على مفاهيم الأعداء التقليديين والحلفاء التاريخيين، فهل يقدر الأوروبيون فعلا على هذه المواجهة؟
للأوروبيين تجربة سابقة في تحدي العقوبات الأميركية على إيران عام 1996. وتكرارها اليوم يبدو ضروريا، ليس من أجل إيران وإنما من أجل استرداد دور أوروبي قلصه الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض. الأوروبيون اليوم ظلال إمبراطوريات وأرشيف ممالك، لقوى عظمى استسلمت لراعي البقر الأميركي الذي يعشق الابتزاز ويؤمن بالمال فقط.
قبل بضعة أيام فرضت فرنسا ضرائب على شركات التكنولوجيا الكبرى في العالم. رد ترامب عبر تويتر جاء واضحا ومباشرا، فوصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالأحمق وتوعد باريس بالرد الموجع. بالنسبة لترامب هو وحده من يحق له فرض العقوبات والضرائب على العالم.
الرد الأميركي على الضرائب الفرنسية واحد من أمثلة كثيرة تساعد في الاستدلال على شكل العلاقة الأميركية الأوروبية في زمن ترامب. هذه العلاقة التي ضاقت بروكسل ذرعا بها وتبحث ليل نهار عن فرصة لتصحيحها وإعادتها إلى إطار التحالف الاستراتيجي بدلا من التبعية والخوف.
في هذا السياق تصبح إيران ذريعة وليست حاجة أو مصلحة، فانهيار الاتفاق النووي يعني إعلان استسلام وتبعية الأوروبيين للولايات المتحدة.
لا يحمل الاتفاق تلك المكاسب المادية التي لا يستطيع الأوروبيون التخلي عنها، ولا أكذوبة حرصهم على السلام العالمي هي ما يبقيهم في هذا الاتفاق.
الأوضاع الداخلية للاتحاد الأوروبي تقلص من فرص استرداده لهيبة ضائعة منذ مطلع الألفية الجديدة، عندما سار الأوروبيون خلف جورج بوش الابن للحرب على العراق ودفنوا دساتيرهم تحت نخل بغداد.
محاولة الأوروبيين إبطال العقوبات الأميركية على إيران هي محاولة للحفاظ على ماء وجههم أمام شعوبهم ودول العالم. هم يريدون مواجهة طويلة الأمد بين طهران وواشنطن تنتهي بأحد أمرين، إما تغير إدارة البيت الأبيض أو تغير خارطة التحالفات الدولية لتشكيلة تحفظ لهم اعتبارهم في العالم.
تدرك طهران ذلك وتدرك أيضا أن اتفاقا أحاديا مع الولايات المتحدة يغنيها عن اتفاق تبرمه مع بقية الدول مجتمعة. لذلك هي تواصل ابتزازها للأوروبيين ولن تتوقف حتى تضمن التفاوض المباشر مع واشنطن بأقل الشروط الأميركية، بمعنى التفاوض على وضع حد لتطور أسلحتها وليس تمدد نفوذها في المنطقة.
كل تبعات انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي تؤكد القطبية الأميركية للعالم. والأوضاع الداخلية للاتحاد الأوروبي تقلص من فرص استرداده لهيبة ضائعة منذ مطلع الألفية الجديدة، عندما سار الأوروبيون خلف جورج بوش الابن للحرب على العراق ودفنوا دساتيرهم تحت نخل بغداد.